كثيرا ما تسمح الأساطير بفكّ شيفرة أحداث ضاربة في القدم. ذلك أنه في أصل كل أسطورة غالبا ما يكون هناك حدث أو شخصية حقيقية، اتخذا طابعا خرافيا بمرور الوقت في خيال الناس والشعراء. بناء على هذا اليقين، تمكن كثير من الباحثين -سواء أكانوا محترفين أم هواة -من اكتشاف حضارات عظيمة من الماضي، لمجرد أنهم صدّقوا بعض الأساطير أو آمنوا بها.
هكذا، في سبعينات القرن التاسع عشر، اكتشف الباحث المستقل هاينريش شليمان، من طريق الحلم والحدس، طروادة هوميروس وأول حضارة يونانية تسمّى "الحضارة الميسينية". وفي وقت لاحق، نحو عام 1901، اكتشف عالم الآثار السير آرثر إيفانز قصر الملك مينوس وما يسمّى بحضارة "مينوان" في جزيرة كريت. كل هذه الحضارات تعود إلى العصر البرونزي، وهو عصر ظلّ غامضا للغاية، لم يُكشف عنه كل شيء حتى الآن.
في هذا السياق، تعتقد الباحثة الفرنسية جيرالدين بيّول، في كتاب صدر حديثا، أن الأمر نفسه ينطبق على حضارة "أطلانتس". إن الاستمرار في اعتبار أطلانتس أسطورة لا يأخذ في الاعتبار أن مؤلفي الماضي في معظم الأوقات وصفوا وقائع حقيقية، بطريقتهم الخاصة، وليس مجرّد قصص من وحي خيالهم. وعليه، مَن منّا لم يحلم يوما بالعثور على قارة أطلانتس المفقودة؟ هل ولدت هذه الأسطورة حقا من خيال أفلاطون، الذي استخدمها كمثال رمزي لتسليط الضوء على قتال أثينا ضدّ قوّة إمبراطورية خيالية؟ إن هذا الرأي المتداول لا يزال الأكثر انتشارا إلى يومنا هذا، بينما أطروحة الأسطورة الفلسفية تجعل من الممكن التغاضي عن الوجود الحقيقي لأطلانتس، مع الحفاظ على كرامة أفلاطون ومكانته كفيلسوف عظيم. مع ذلك، لا تأخذ هذه الأطروحة في الاعتبار، مهما كانت مريحة، تأكيد أفلاطون نفسه، نقلا عن كريتياس، أن هذه القصة كانت حقيقية للغاية.
نشأت قصة أطلانتس من حوار أجراه سولون مع كاهن مصري من معبد سايس بمصر. كشف الأخير له التاريخ المنسي والبطولي لمدينته أثينا، وكيف تمكنت، في زمن قديم، من صدّ هجمات شعب من المحاربين، الذين زحفوا عبر البحر الأبيض المتوسط. وقدّم له تفاصيل هذه القصة، تكريما للرابطة القوية للغاية التي وحّدت مدينتهما. وعندما علم سولون بهذه القصة، خطّط لتأليف ملحمة عظيمة عن أثينا، مثل "الإلياذة"، لكن لم يكن لديه وقت بسبب "الفتن" و"الشرور الأخرى التي وجدها هناك عند عودته". ثم، خلال محاورة حول موضوع الدروس العظيمة للماضي بين الفيلسوف سقراط وتلاميذه، أفلاطون، تيماوس، هيرموقراطيس وكريتياس الأصغر، روى الأخير قصة أطلانتس. ومنذ ذلك الحين، ظلّت هذه الرواية الشفوية المصدر الذي اعتمده أفلاطون في سردها لاحقا. على هذا الأساس، شرع العديد من المغامرين والباحثين في محاولات العثور على قارة أطلانتس المفقودة، لكنهم واجهوا عقبة رئيسة: وفقا لأوصاف أفلاطون الخاصة، أين يمكن أن توجد هذه الجزيرة العملاقة التي يُفترض أنها مغمورة تحت المحيط؟ ذلك أن المؤشرات الجغرافية كانت تقريبية، تشير فقط إلى أنه يتعيّن النظر إلى "ما وراء أعمدة هرقل".