في اليوم الذي وصلت فيه "المجلة" إلى مدينة البصرة، أقصى جنوب العراق، كان سياسيون وناشطون مدنيون من أبناء المدينة يعقدون المؤتمر التأسيسي لإطلاق "حركة ناشطون السياسية المستقلة"، الساعية إلى تشكيل "إقليم البصرة". حيث ورد في البيان التأسيسي للمجتمعين: "تمكنت ثلة من الكفاءات البصرية المستقلة والمخلصة من إقامة المؤتمر التأسيسي الأول لحركة (ناشطون) المستقلة، والتصويت على أعضاء المجلس السياسي للحركة وبحضور ممثلين عن المفوضية المستقلة للانتخابات... تستوعب الحركة كل بصري مخلص يدعو إلى مشروع إقليم البصرة للقضاء على ديكتاتورية المركز المقيتة".
الناشطون في هذه الحركة السياسية/المدنية الجديدة، الذين التقتهم "المجلة"، عبروا عن سعي تقليدي لسكان المنطقة، الممتد منذ السنوات الأولى لتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وثمة وقائع حياتية وركائز جماهيرية لتلك الطروحات المناطقية في عموم طبقات مجتمع المدينة ومختلف قطاعاته وجهاته؛ فمن الجدارية الكُبرى في الصالة الرئيسة لمطار المدينة، المطابقة من حيث النمط لـ"جدارية الحرية" للفنان جواد سليم في العاصمة العراقية بغداد، لكن المتمايزة عنها بكثافة حضور المعاني والرموز التاريخية الخاصة بالبصرة، مرورا بالعلم المحلي الموحد– الأخضر والأبيض والأزرق- الذي يرفعه النشطاء السياسيون والمدنيون أثناء مظاهراتهم أو فعالياتهم، مما يدل على قوة النزعة المحلية في المدينة.
من خلال السبر العام لآراء المنخرطين في الحراك المطالب بتحويل البصرة إلى إقليم فيدرالي، سواء في حركة "ناشطون"، أو تنظيمات أخرى، مثل "تجمع الفيحاء الفيدرالي"، فإن مسألتي الاقتصاد المحلي والتغيرات الديموغرافية التي تطرأ على هوية محافظة البصرة هما السببان الرئيسان لزيادة المطالبات المحلية بتحقيق الفيدرالية لمنطقة البصرة، أو أي هوية أو علاقة إدارية/سياسية لها بالمركز، تخفف من قدرة السلطات والمؤسسات المركزية على التحكم في الحياة العامة في البصرة.
وثمة شعور محلي سائد، يعتقد أن البصرة وسكانها لا يحصلون على "حصة مالية عادلة" من الخزينة العامة، على الرغم من الثروة النفطية الهائلة التي في منطقتهم، المُلبية لثلثي حاجات العراق الاقتصادية.
يُرجع "النشطاء البصريون" أسباب حدوث ذلك إلى "هيمنة المركز"، الذي يمنع منطقتهم من خلق تنمية اقتصادية شاملة، عبر السيطرة على المشاريع المنفذة في المحافظة، وإدارة الملفات والقرارات الاقتصادية الخاصة بالمحافظة حسب حاجات ورؤية المركز. مذكرين بتشريع البرلمان لقانون "البصرة عاصمة العراق الاقتصادية"، الذي صدر عام 2017، لكنه بقي طي الأدراج المركزية منذ ذلك الوقت، لأن تنفيذه يعني المزيد من الأدوات وحرية التصرف الاقتصادي للبصرة، والذي سيكون على حساب القدرات المالية الكبرى المتاحة للسلطات المركزية. بالذات من حيث قدرة الأحزاب والقوى المركزية على التصرف في تلك الأموال، وصرفها بطرائق تقوي من نفوذهم وقدرتهم من حيث السيطرة على مختلف مجتمعات العراق.