في قصة إليوت نيس وحربه على الجريمة والفساد في الولايات المتحدة وصدامه مع آل كابون سيد الجريمة في شيكاغو، تردّدت مقولة: "إذا كنت تريد مكافحة الفساد، فلا تأخذ التفاح من السلة، بل خذه من الشجرة". هذا ما حصل بالفعل في السعودية، فقد جرى توظيف كثيف للنساء، غير مسبوق في تاريخ عمل المرأة في بلادنا. ليس لأن كل الرجال فاسدون، بل لأن في الرجال نزهاء كثراً، وسنفترض أن النزاهة هي الأصل، لكن لا بد من الاتفاق على أن هناك نسبة فاسدة منهم، وهذه النسبة الفاسدة دخلت في علاقات وطيدة في ما بينها، وأصبحت للفاسد كلمة عليا. الموظف الفاسد لديه معارف في كل مكان، والفاسدون مرتبطون بعضهم ببعض في علاقات شخصية وربما نسب، كأنما نتحدث عن المافيا في تآزرها وتلاحمها.
على مدى عقود متتابعة ازدادت هذه الشبكة تغلغلا، وأصبح الفاسد يظن أنه في مأمن من العقوبة لكثرة معارفه الذين تربطهم به مصالح سيسعون للحفاظ عليها، وبالتالي سيسعى معارفه بكل قوة للحفاظ على شخصه وسلامته من العقوبة مهما فعل، وإخراجه من كل مأزق. هذه الشريحة الفاسدة لم ينحصر فسادها في كسب المال بطرق غير مشروعة، بل امتد نشاطها حتى شمل موضوع الإرهاب وحماية الإرهابيين، ومخالفات أخرى كثيرة. كل هذه القصة يعرفها الناس، لكن ما لا يعرفونه، هو دور المرأة في الموضوع. فالمرأة هي التفاح الذي ليس في السلة، سلة الفساد. إلى وقت قريب، كان السعوديون، المحافظون بطبعهم، يميلون إلى أن لا تتوظف بناتهم إلا في مجال التعليم، وكان لديهم هاجس وتخوّف مما يسمونه العمل المختلط الذي يجتمع فيه الرجل والمرأة في دائرة واحدة. اليوم، تغيرت الحال، واقتحمت المرأة مجالات العمل كلها ووصلت إلى مرتبة سفيرة ونائبة وزيرة، ولن تلبث أن تتقلد حقيبة وزارة في السعودية الحديثة.
المرأة السعودية اليوم تقوم بدور رأس حربة في الحرب على الفساد، وهي غير مرتبطة بالمنظومة الفاسدة ولا تعرف منهم أحدا حتى تستحي منه. هي لا تعرف إلا الدولة التي وظفتها، وللدولة وهبت ولاءها الكامل
الأمر الذي دعا إلى تفعيل هذه الطاقة المهدرة، هو أن المرأة لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالمنظومة الفاسدة التي تحدثنا عنها، وإن كنا سنستثني، فالاستثناء نادر للغاية، فالنساء لم يكنّ موجودات في المنظومة الحكومية التأسيسية، وبقيت غائبة في ما تلاها من عقود، ولم تبدأ بالحضور الفعلي إلا في العقود الأخيرة، وهذا الحضور أيضا كان في منأى مما يحيكه الفاسدون من محاولات الاختلاس.
ما أسمعه اليوم من وقائع، مذهل للغاية، فالمرأة السعودية اليوم تقوم بدور رأس حربة في الحرب على الفساد، وهي غير مرتبطة بالمنظومة الفاسدة ولا تعرف منهم أحدا حتى تستحي منه. هي لا تعرف إلا الدولة التي وظفتها، وللدولة وهبت ولاءها الكامل، وطريقتها في العمل سهلة التطبيق للغاية، "تنفيذ التعليمات كما في الكتاب"، دون أدنى مخالفة ودون أدنى تجاوز. كل المعاملات التي كانت تتم على قاعدة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، كل التواقيع التي كانت تتم في منأى من المحاسبة، لم تعد تمر، لأن هناك امرأة مشرفة تملك صلاحية المصادقة أو عدم المصادقة على تلك المعاملات.
ولأن هذه المرأة العاملة التي منحتها الدولة شيئا من السلطة، لا تعرف أحدا سوى الدولة والولاء لها، فهي ترفض توقيع أي معاملة، أو الموافقة عليها، أو إقرارها، إذا كانت لا تستوفي كامل الشروط، ولا مانع لديها في كل مرة من العودة إلى المربع الأول، حتى تكون كل المعاملات صحيحة 100%. نشاط المرأة النزيه في العمل سيسري في الجسد كله، وبالتالي نرجو أن تنتقل العدوى النافعة، فلا نعود نرى في بلادنا فاسدا أو مفسدين.