يشهد العالم اهتماما متصاعدا بالتغير المناخيّ الذي كشّر عن أنيابه في السنوات الأخيرة، وبات شبحا يهدّد الوجود الأحيائي، بمختلف أنواعه على الكوكب، ملقيا بآثاره الكبيرة من خلال ارتفاع حرارة الأرض، وانتشار الحرائق وانحسار الغطاء النباتيّ وتفاقم العواصف الترابيّة وانحباس الأمطار. الأمر الذي دعا المنظمات العالميّة وحكومات الدول الكبرى إلى دراسة سبل خفض النشاط الصناعي وتحديد استعمال الوقود الأحفوري، فضلا عن التزام إنشاء برامج شاملة للتوعية المجتمعيّة والاقتصاديّة، والبحث عن وسائل آمنة وبديلة في الاعتماد على الطاقة.
يقف العراق من بين الدول الخمس الأولى "الأكثر تضررا من التغير المناخيّ"، بحسب بيان منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إذ يهدّد نهري دجلة والفرات شحُّ الأمطار وكذلك انحراف روافدهما التاريخية من دول المنبع المجاورة، وهذا ما دعا ناشطين بيئيين إلى إطلاق نداء استغاثة قبل أن يصبح النهران أثرا بعد عين ويزولا من خريطة البلاد، كما تتنبأُ دراسات مختصّة.
ولطالما كان الأدب مرآة تعبّر عن واقع الانسان وتطلعاته، ونافذة يطلّ منها على المشكلات التي تواجهه، وليست بعيدة عنا أعمال أدبية طرحت قضايا تمسّ حياة الانسان ومصيره على الكوكب وساهمت في لفت الأنظار إلى الأخطار التي تحيق بحياتنا مثل رواية “عام الفيضان” لمارغريت آتوود و"البحر والصيف" لجورج تيرنر وغيرهما. فما موقف المثقف العراقيّ إزاء خراب الطبيعة العراقيّة المتفرّدة، في لحظة هي مفترق طرق بامتياز.
اللافت أن الأدب العراقيّ لم يقدّم، حتى الآن، ما يوازي جسامة التحدي المناخيّ الذي يحيط بالبلاد. فلم تزل الرواية والشعر والقصة العراقية تتداول موضوعات الإرهاب والعنف والحرب والفساد السياسي وصراع الطوائف، تلك المهيمنات التي باتت مكررة حد الاعتياد منذ التحوّل السياسيّ عام 2003. ربما نستثني من ذلك، وبشكل نسبي، الفن التشكيلي، الذي حاول بعض الفاعلين فيه لفت النظر الى مآسي البيئة المهدّدة.
أليس من الغريب أن بلادا تختنق بالعواصف الترابية (122 عاصفة ترابية خلال 283 يوما في عام 2022)، وتعاني اختفاء الأهوار جراء الجفاف، ونفوق الحيوانات جرّاء تلوث المياه، وتدهور الغطاء النباتي، ولا يجد كتّابها في ذلك كله فاجعة تستحق الكتابة؟ أم أنّ القصائد والحكايات لا تنقذ نهرا من الموت؟