بينما كانت الطائرة تقترب من مهبط مطار البصرة الدولي، كان واحد من أكثر المشاهد تعبيرا عن الثراء الاقتصادي الاستثنائي لهذه الجغرافيا يتشكل في الأفق: شواطئ الخليج العربي جنوبا، وعلى ضفافها ميناء بحري شاسع، يعد بأن يكون الأكثر حيوية على مستوى المنطقة، آلاف الآبار النفطية في كل حدب من السهل المحيط بالمدينة، بساتين نخيل على مدّ البصر، يخترقها جدول مائي يجمع نهري دجلة والفرات، وموقع جيوسياسي استثنائي، بالقرب من حدود ثلاث دول إقليمية رئيسة، المملكة العربية السعودية والكويت وإيران. لكن العشوائيات السكنية المنتشرة المرئية في كل أنحاء المدينة، والتي لا تستطيع بعض أبراج المدينة أن تخفيها، تُظهر وجها آخر للهوية الحياتية لمدينة البصرة ومحيطها.
في مختلف أرجائها، لا تبدو البصرة مختلفة عن باقي مدن العراق، باستثناء كثافة منشآت الإعمار السكني، التي يمكن ملاحظتها بوضوح تام. مشاريع سكانية تنتشر في الأنحاء الطرفية من المدينة، يضم بعضها أكثر من 40 ألف وحدة سكنية، بخدمات داخلية متكاملة، بعضها يشكل مدينة مغلقة على نفسها، يقابلها الكثير من الأبراج العمودية وسط المدينة.
هذا النمو العقاري ضمن المدينة وفي محيطها ليس مؤشرا لدورة اقتصادية تنموية تشهدها المدينة، كما شرح الخبراء الاقتصاديون المحليون الذين التقتهم "المجلة" في البصرة. فمستويات البطالة والفقر والعشوائيات فيها تساوي باقي مناطق العراق. مع فارق امتلاكها لفائض مالي واضح، متأت من كثافة حضور الشركات النفطية العالمية في البصرة، والأموال الإضافية التي تحصل عليها جراء غناها بالثروات الطبيعية.
تُقدر احتياطات محافظة البصرة من النفط الخام بحدود 65 مليار برميل، تشكل 60 في المئة من إجمالي الاحتياطيات النفطية في العراق، وإذا أضيفت لها الحقول المشتركة مع محافظتي ميسان وذي قار، فإنها قد تتجاوز 75 في المئة من الاحتياطيات الإجمالية للعراق؛ فحقول "الرميلة الشمالي"، و"مجنون"، و"نهر عمر"، و"غرب القرنة"، و"الزبير"، من أكثف الحقول وأكثرها جودة على مستوى العالم، وتساهم مستخرجاتها بما يزيد على 60 في المئة من الخزينة العامة للعراق. ومثلها أيضا حقول الغاز الطبيعي.
تضخمت الموارد المالية المتأتية من تصدير النفط خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل استثنائي؛ فبينما كانت إيرادات العراق 42 مليار دولار فحسب خلال عام 2020، قفزت بعد عام واحد لتبلغ 75 مليار دولار، ومنها إلى 115 مليار دولار عام 2022. وبفضل تلك القفزة المالية، تمكن العراق من تحقيق أعلى مستوى من الأموال التي في خزينته العامة.
كل ذلك لم ينعكس كتنمية اقتصادية مباشرة على المدينة، باستثناء بعض الزيادة في وتيرة الاستثمار الأجنبي في القطاع النفطي، كما شرح الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي. وتبلغ نسبة الفقر في المدينة 40 في المئة من مجموع السكان، وفقا لإحصاءات المفوضية العراقية لحقوق الإنسان، وهي أعلى من متوسط المعدل في العراق، كما تحوي مدينة البصرة وحدها أكثر من 700 بقعة عشوائية، تضم قرابة 65 ألف وحدة سكنية، في مدينة لا يتجاوز سكانها 1.5 مليون نسمة.