عين الجزائر على أزمة النيجر... توجس من التدخلات العسكريةhttps://www.majalla.com/node/296881/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AC%D8%B1-%D8%AA%D9%88%D8%AC%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9
أحدثت محاولة الانقلاب العسكري في النيجر، مفاجأة إن لم نقل صدمة لدول الجوار القريب لا سيما الجزائر، باعتبارها دولة محاذية وتملك حدودا مشتركة على طول 956 كلم، لما لهذه الخطوة من تداعيات وارتدادات خطيرة على استقرار المنطقة؛ فالانقلاب العسكري الذي قاده الحرس الرئاسي على الرئيس محمد بازوم، وحظي بدعم كبير من قيادة الجيش، من شأنه أن يلقي بظلاله على الأوضاع الأمنية سواء من حيث تدفق المهاجرين والمجموعات المسلحة والمرتزقة والإرهابيين، وحتى على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي تربط بين البلدين.
والظاهر أن الأيام القليلة الماضية حملت أنباء غير سارة للجزائر، بعد أن كانت النيجر الدولة الوحيدة التي ظلت تنعم بالاستقرار وآخر المعاقل البعيدة عن الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وهي العوامل التي دفعت بالجزائر إلى تفعيل دبلوماسيتها الاقتصادية وعلاقاتها الجيواستراتيجية.
وبدأت الخطة الاستراتيجية بالاستثمار في مشاريع هيكلية عملاقة ستفرز مستقبلا فوائد اجتماعية واقتصادية تعزز العلاقات الثنائية مع دول الجوار ومنطقة الساحل وحتى داخل العمق الأفريقي خاصة مع نيجيريا وتشاد وبوركينا فاسو وبقية الدول.
من التداعيات التي تخشاها الجزائر في حال اشتعال الحرب ضمن النطاق الحدودي، موجة النزوح للرعايا النيجريين باتجاه عبور الحدود الجزائرية وهو السيناريو نفسه الذي شهدته البلاد عام 2013 عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي
وفي ضوء ذلك، يمكن التأكيد على أن أي تغيير في السلطة بالنيجر، لا سيما وإن حدث بشكل غير دستوري كما وقع مؤخرا يثير امتعاض وقلق الجزائر. ويقول في هذا المضمار خبير الطاقة الجزائري بلمكي محمد المكي لـ"المجلة" إن "الجزائر والنيجر بقدر ما تربطهما حدود برية طويلة تربطهما أيضا علاقات متجذرة في شتى الميادين، خاصة الأمنية والاقتصادية منها، حيث يعمل الطرفان للحفاظ على هذه العلاقات بما يعود بالنفع على شعبيهما. غير أن المنعرجات الجيوسياسية الكبيرة تحول دون ذلك وتؤثر عادة سلبا على الدول وما يربطهما من علاقات".
وإلى جانب ذلك يعتقد المكي أن "التهديدات الأمنية هي التي تفرض نفسها بقوة اليوم، فاستقرار دولة النيجر يؤثر مباشرة على الاستقرار في المناطق الحدودية، وما يزيد الوضع تعقيدا اليوم الأوضاع الهشة أصلا في ليبيا والجنوب، فلم يكن ينقصها إلا ما حصل في النيجر".
إذن، العامل الأمني مهم جدا بالنسبة لمكي لتجسيد المشاريع الهيكلية الكبرى كمشروع نقل الغاز النيجيري الذي من المبرمج أن يتخذ النيجر كدولة ترانزيت وتستفيد بدورها من الغاز، كما تعمل شركة الطاقة الجزائرية "سونطراك" في مجال الاستكشاف في هذه الدولة الغنية حيث عملت على رفع إنتاجها بمعدل 90 ألف برميل يوميا، وهناك أيضا مشروع ضخم خصصت له الجزائر ما يقارب 2.6 مليار دولار أميركي وهو مشروع الطريق العابر للصحراء والذي يعرف بطريق الجزائر-لاغوس والمار بالنيجر وهو ممر اقتصادي يسمح ببعث التنمية في القارة السمراء ويربطها بأوروبا عبر الموانئ الجزائرية لا سيما وأن النيجر دولة حبيسة.
موجات النزوح
ومن التداعيات التي تخشاها الجزائر في حال اشتعال الحرب ضمن النطاق الحدودي، موجة النزوح للرعايا النيجريين باتجاه عبور الحدود الجزائرية وهو السيناريو نفسه الذي شهدته البلاد عام 2013 عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي، إذ استقبلت الجزائر أكثر من 30 ألف لاجئ من المدنيين الماليين وعددا من المسلحين المصابين، الفارين من المعارك شمالي البلاد بين القوات الحكومية وحركة تحرير أزواد.
ومن العوامل الأخرى التي ستغذي موجات الهجرة القادمة من النيجر نحو الجزائر، تعليق بعض الدول الأوروبية مساعداتها الإنمائية ودعمها المالي للنيجر، وهي الخطوة التي قامت بها فرنسا؛ إذ صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية سيباستيان فيشر خلال مؤتمر صحافي في برلين: "علقنا كل المدفوعات المباشرة دعما لحكومة النيجر". وأعلنت ألمانيا عن خطوة مماثلة أيضا، وستساهم هذه الخطوة في اتساع رقعة الفقر وتعقيد الأوضاع الاجتماعية، وحاليا يعاني نصف السكان البالغين (حوالي 27 مليون نسمة) من الفقر المدقع.
ويشكل هذا الوضع مصدر قلق كبير للسلطات الجزائرية التي رمت بكل ثقلها لتهدئة الأوضاع خوفا من استغلال عناصر من جماعات إرهابية متعددة حالة النزوح بسبب النزاعات الداخلية. وفي سنوات سابقة كشفت تصريحات رسمية عن إحباط أكثر من 200 عملية تسلل لجماعات إرهابية خطرة من رعايا أفريقيين تم استقطابهم وتجنيدهم من قلب المجمعات شمالي مالي التي تمثل منطلقا لقوافل الهجرة السرية.
اتصالات مكثفة
وأجرت الرئاسة الجزائرية اتصالات متعددة مع مجموعة "إيكواس"، كما أجرى رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، مساء الجمعة في سان بطرسبورغ، محادثات مع عاصمي غويتا رئيس دولة مالي ورئيس المرحلة الانتقالية، لشرح الموقف الجزائري. وأجرى الرئيس عبد المجيد تبون اتصالا هاتفيا مع نظيره البيني باتريس تالون عشية الاجتماع الاستثنائي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في أبوجا والذي خصص لدراسة الوضع في النيجر.
وتصر الجزائر على أن يكون الحل مبنيا على التفاوض من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلم في النيجر لمنع انتقال الحالة السودانية إلى الجوار وهو ما سيكلفها كثيرا كما ذكرنا سابقا، وكانت الجزائر قد أكدت أنها "تتابع بقلق تطورات الأوضاع في النيجر وتدين بشدة محاولة الانقلاب الجارية، وأكدت تمسكها بالمبادئ الأساسية التي توجه العمل الجماعي للدول الأفريقية داخل الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك الرفض القاطع للتغييرات غير الدستورية للحكومات"، وطالبت في بيانها "بوضع حد فوري لهذا الاعتداء غير المقبول على النظام الدستوري"، وصنفته على أنه "انتهاك خطير لمقتضيات سيادة القانون"، وشددت على "ضرورة أن يعمل الجميع من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والمؤسساتي للنيجر بما يضمن استدامة الأمن والاستقرار في هذا البلد".
تصر الجزائر على أن يكون الحل مبنيا على التفاوض من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلم في النيجر لمنع انتقال الحالة السودانية إلى الجوار وهو ما سيكلفها كثيرا.
وفي بيان جديد، حذرت الخارجية الجزائرية، من نوايا التدخل العسكري الأجنبي في النيجر، مجددة تمسكها بضرورة عودة النظام الدستوري إلى البلاد، وقالت إن "الجزائر تجدد تمسكها بضرورة عودة النظام الدستوري في النيجر، واحترام مقتضيات سيادة القانون ودعمها للسيد محمد بازوم بصفته الرئيس الشرعي، وتحذر من نوايا التدخل العسكري الأجنبي في هذا البلد". وأضاف البيان: "الجزائر تحذر وتدعو إلى توخي الحذر وضبط النفس في مواجهة نوايا التدخل العسكري الأجنبي".
وبعيدا عن مساعي المؤسسة الرسمية في الجزائر لتطويق الأحداث في الدولة الجارة النيجر، فإن تحليلا بارزا يروج في وسائل الإعلام مفاده أن الانقلاب القائم في النيجر قد يخدم مصالح الجزائر ويضع حدا للضغوط الدولية الممارسة على السلطات العسكرية وعلى رأسها فرنسا التي تسعى جاهدة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في هذا البلد، لا سيما وأن يورانيوم النيجر يغطي 35 في المائة من الاحتياجات الفرنسية، ويساعد محطاتها النووية على توليد 70 في المائة من الكهرباء.
ولذلك يمكن التأكيد اليوم على أن فرنسا في ورطة، فالانقلاب سيرتد عليها سلبا، لا سيما وأنها ترغب في توسيع محطاتها النووية، وهو ما يعني أن طلبها على اليورانيوم سيرتفع مقارنة بما كان عليه في السنوات السابقة.
ويقول الكاتب البروفيسور نور الصباح عكنوش، وهو أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية بجامعة بسكرة لـ"المجلة": "الوضع في نيامي أكبر وأخطر بل وأعقد من مجرد انقلاب، ولهذا فالجزائر تتعامل بحذر في إطار الدبلوماسية الصامتة مع الموضوع، حتى لا يرتد عليها سلبا خاصة وأن كل المعطيات والمؤشرات الحالية توحي بأن ما يحدث له بعد دولي وليس إقليمي فقط"، وتابع المتحدث قائلا: "أعتقد أن هناك مساعي لنقل حرب أوكرانيا إلى أفريقيا ومنطقة الساحل خصوصا في ضوء لعبة أمم مفتوحة على كل المخاطر من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسي بالمعنى الجيواستراتيجي".
البروفيسور عكنوش أكد في ختام حديثه أن "للجزائر تصورا خاصا للأحداث، ومقاربة أمنية على مستوى تأمين الحدود ومراقبة حركة اللاجئين والجماعات الإرهابية من جهة، ومقاربة طاقوية من جهة أخرى على صعيد مشاريع ذات صلة بأنبوب الغاز والبنية التحتية في المنطقة ومقاربة استراتيجية تتعلق بمستقبل الساحل كنسق هش بنيويا ومؤسساتيا وتنمويا يمكن أن ينتج حالات احتراب مزمنة تهدد البلاد، على اعتبار أن النيجر عمق حيوي بالنسبة للجزائر ولا مجال للمخاطرة في هذا الإطار، حيث إن قراءة الوضع الراهن تضمن حماية الإقليم من كل ارتدادات سلبية".