في 25 يونيو/حزيران، نشر تنظيم "داعش" تقريرا على قنواته على تطبيق تلغرام، عرض فيه جزءا من عملياته العسكرية في سوريا، لا سيما في دير الزور ودرعا. وما ميز هذا التقرير هو أن الجماعة لم تتبن المسؤولية عن العديد من هذه الهجمات في السابق. وقد أعلن التنظيم في الماضي تعمده لإخفاء هجماته لأسباب أمنية. وتدعم الرسائل الداخلية المُسربة الأخيرة، والتي نشرتها إحدى وسائل الإعلام المناهضة لـ"داعش"، هذا الادعاء، مشيرة إلى أنه ليس مجرد رواية تخدم مصالحها الذاتية.
وتوفر هذه الوثائق المسربة رؤى قيمة لعملية صنع القرار الخاص بعدم تبني بعض الهجمات والتوترات الداخلية في المجموعة. ونتيجة لذلك، يجب على صانعي السياسات توخي الحذر واتخاذ نهج شامل عند تقييم قدرات المجموعة والتهديد الذي تشكله.
ووفقا للمصدر، فإن قسم الإعلام هو المسؤول عادة عن الإعلان عن الهجمات. فهو يتلقى الوثائق المحلية ويرسلها إلى القسم المركزي للنشر. ومع ذلك، فإن قرار توثيق الهجوم من عدمه يعود إلى كبار قادة وسائل الإعلام والقادة العسكريين، والقيادة العسكرية المحلية لديها سلطة استخدام حق النقض ضد النشر إذا كانت تعتقد أنه ضد مصالحها.
وتكشف الوثائق المسربة أيضا عن وجهات نظر متناقضة بين وسائل الإعلام والقادة العسكريين في سوريا بشأن الهجمات التي يجب الإعلان عنها. فبينما تتعاون بعض الفروع، مثل دير الزور، مع الإعلاميين، يرفض البعض الآخر، مثل فرعي البادية ودرعا، فكرة نشر أخبار تتبنى العمليات الهجومية. وبحسب ما ورد، فإن القيادة العسكرية، لا سيما في تلك المناطق، تطبق سياسة الصمت الإعلامي، مشيرة إلى مخاوف بشأن تعريض أمنها للخطر.
تكشف الوثائق المسربة عن وجهات نظر متناقضة بين وسائل الإعلام والقادة العسكريين في سوريا بشأن الهجمات التي يجب الإعلان عنها. فبينما تتعاون بعض الفروع، مثل دير الزور، مع الإعلاميين، يرفض البعض الآخر، مثل فرعي البادية ودرعا، فكرة نشر أخبار تتبنى العمليات الهجومية
أدى هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى توترات ونزاعات داخل المجموعة. إذ يجادل المسؤولون الإعلاميون الذين ينتقدون سياسة الصمت الإعلامي بأنها تأتي بنتائج عكسية، وتفيد أعداء الجماعة وتعيق جهودها الدعائية. وهم يؤكدون أنه بصرف النظر عن الفشل في ردع الهجمات المضادة من قبل الأعداء، فإن الإعلان عن نشاط "داعش" من شأنه أن يبث الخوف بين المرتدين ويلهم هجمات مماثلة في سوريا.
جدير بالذكر بأنه سبق للتنظيم أن أقر بسياسة الصمت المتعمد في نشرته الأسبوعية "النبأ". إذ زعمت الجماعة في مقال نُشر في 16 مارس/آذار، أنها تعمدت حجب بعض أخبار الهجمات لأسباب عملية. واستنادا إلى ذلك، جادل المقال بأن الاعتماد فقط على عدد الهجمات المزعومة لا يوفر مقياسا دقيقا لقوة جماعة مسلحة.
وفي مقابلة نادرة نُشرت في 28 يوليو/ تموز 2022، قدّم رئيس عمليات تنظيم "داعش" في البادية السورية - وهي منطقة صحراوية شاسعة تربط حمص وحماة والرقة ودير الزور - ادعاء مماثلا. إذ كشف المسؤول أن التنظيم نفذ عددا من الهجمات أعلى بكثير مما أُقر به علنا، ما يشير إلى استراتيجية متعمدة للمشاركة الانتقائية في المعلومات حول هجماته أو تأخيرها أو حجبها لأسباب عملية.
ومن المثير للاهتمام، أن القائد حذر المؤيدين المتحمسين لمشاركة أخبار هجمات التنظيم بالامتناع عن ذلك والالتزام الصارم باعترافات "داعش" الرسمية. وبعد نشر المقابلة، تبنى التنظيم المسؤولية عن 19 عملية في وسط سوريا، متجاوزا بذلك العدد الإجمالي الذي تبناه في الأشهر الـ 13 الماضية مجتمعة. ولربما كان الهدف وراء هذا التسلسل للأحداث هو إثبات مصداقية تصريحات القائد.
أعلن التنظيم، في 23 يونيو/حزيران الماضي، مسؤوليته عن هجمات استهدفت قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، ما أسفر عن مقتل وإصابة 19 مقاتلا في ست عمليات منسقة
ومن المهم الإقرار بأنه يمكن الاعتماد على رواية التنظيم عن الصمت الإعلامي لتبرير الانخفاض الملحوظ في أرقام الهجوم التي أبلغ عنها التنظيم. ومع ذلك، فإن "داعش" ليس الكيان الوحيد الذي سلط الضوء على استراتيجيته في عدم الإبلاغ. إذ أشار "مركز روج آفا"، الذي يراقب هجمات "داعش" في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (SDF)، إلى أن التنظيم معروف بتنفيذ أعمال عنف غير معلنة في شمال شرق سوريا. وذكر المركز أيضا أنه من بين 285 هجوما نسبتها وسائل الإعلام للتنظيم في عام 2022، تبنى "داعش" المسؤولية عن 185 عملية منها فقط.
علاوة على ذلك، أعلن التنظيم، في 23 يونيو/حزيران الماضي، مسؤوليته عن هجمات استهدفت قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، ما أسفر عن مقتل وإصابة 19 مقاتلا في ست عمليات منسقة. ويعد هجوم يناير/كانون الثاني على سجن الصناعة في الحسكة تذكيرا آخر بالقوة البشرية والفطنة التنظيمية التي لا يزال "داعش" يتمتع بها. وتشير هذه الهجمات، من بين العديد من الهجمات الأخرى في الماضي القريب، إلى أنه على الرغم من انخفاض عدد الهجمات المزعومة، إلا أن خلايا التنظيم لا تزال تحتفظ بميزات في العديد من المجالات، مما يمكنها من اختيار وتنفيذ الهجمات وفقا لتقديرها.
ويسلط هذا الأمر الضوء على أهمية اعتماد نهج أكثر دقة في التعامل مع الخطر الذي يشكله "داعش" في سوريا والمنطقة الأوسع. لذلك، يجب أن لا يعتمد صانعو السياسات والمحللون على الادعاءات الرسمية فحسب، بل عليهم اعتماد نهج شامل قائم على الأدلة يأخذ في الاعتبار الهجمات العسكرية للمجموعة وقدراتها، فضلا عن سياساتها الإعلامية ومواردها المالية وتأثيرها على المجتمعات المحلية.