فيما يتعلق بالثقافة والتعليم والرياضة، كثفت دول الخليج جهودها، متجاوزة الكويت في هذه المجالات التي كانت ذات يوم رائدة إقليمية فيها. وحققت دول الخليج الأخرى مراتب أعلى في التعليم، ووسائل الإعلام والمطبوعات الرائدة، والمشاريع الترفيهية النابضة بالحياة، وحجزت مكانة مهمة في المجال الرياضي عالميا، من خلال جذب الأندية واللاعبين الرياضيين الأجانب. نتيجة لذلك، اكتسبت منطقة الخليج بنجاح مكانة مرموقة وتحولت إلى وجهة عالمية.
ولفهم الأمور بشكل أفضل، يمكن القول إن التطور المستمر الذي لوحظ في دول الخليج الأخرى فاق الكويت في مجالات شتى، حيث تتقدم كل دولة بوتيرتها الخاصة وبدرجات متفاوتة من العزيمة. وثمة جملة من العوامل تميز دول الخليج الأخرى، وهي:
-- وجود قادة شباب يشغلون مناصب سواء في قمة السلطة أو كقادة بارزين في مختلف هياكل الحكم.
-- خطط انتقال السلطة الواضحة التي تصون وحدة الأسر الحاكمة.
-- الرؤى الطموحة ذات النظرة العالمية.
-- تطوير نمط العمل الحكومي؛ والنهج المركزي للحكم.
بينما كانت هناك تحديات بلا شك ولم تكن جميع السياسات والإجراءات مثالية، إلا أن الكويت لا تمتلك كثيرا من العناصر المذكورة.
ومع ذلك، يمكن للكويت أن تفخر بنظامها السياسي المستمر؛ إذ إن أجندة التنمية وتعزيز الاعتماد على الذات في الخليج ليست حصرا على ما هو غير سياسي؛ فبعد تحرير الكويت، اعتمد عدد أكبر من دول الخليج عناصر من النظام السياسي المنفتح للكويت؛ فتبنت المزيد من دول الخليج دساتير جديدة، مثل النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية عام 1992 (تمت مراجعته في عام 2013)، والقانون الأساسي العماني في عام 1996 (مع التعديلات الأخيرة في عام 2021)، ودستور قطر في عام 2004 (تمت الموافقة عليه في استفتاء عام 2003)، وهذا على سبيل المثال.
بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء هيئات تمثيلية، وأعطيت المرأة حق الاقتراع، وجرى تعزيز العمل المدني، ووفرت المنصات غير التقليدية مثل وسائل التواصل الاجتماعي سبلا للمشاركة العامة. حاولت كل دولة تشكيل نظامها السياسي بما يعكس فهمها لتراثها وتاريخها الثقافي.
كيف تستفيد دول الخليج من بعضها البعض؟
بقدر ما خلفه من آثار تدميرية، بدا إرث احتلال الكويت غنيا بالدروس ومتنوعا بالتحولات في المنطقة. لقد أعاد هذا الإرث تشكيل الكويت بطريقة مختلفة مقارنة بجيرانها الخليجيين. بالنظر إلى المستقبل، من المهم بناء أوجه تآزر حول ما خلفه الاحتلال من آثار مشتركة، مع مراعاة تجارب جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست.
إن التنمية والانفتاح أمران متكاملان، لا يستبعد أحدهما الآخر بل يعزز كل منهما الآخر، وعلى الرغم من العقبات المحتملة في أي من المجالين. يمكن للكويت أن تستفيد من تجارب جيرانها، بينما يمكن لدول الخليج الاستفادة من الحوكمة التشاركية الكويتية، واعتماد الجوانب الناجحة فيها مع تجنب المزالق.
بالطبع، ليس من الضروري لدول الخليج المختلفة أن تقلد بعضها البعض، ولا سيما بالنظر إلى تطورها المختلف وعلاقاتها بين الدولة والمجتمع. لكن الدول الست جميعها ستخدم نفسها بشكل أفضل إن هي طورت صيغة تمكن من تطوير مواطَنة مسؤولة– مواطن خليجي له دور في صنع القرار بينما يكرَّس موقعه العالمي ويتم استيعابه بشكل أفضل.
إن أكثر ما تحتاج إليه دول مجلس التعاون هو حوار صريح حول كيفية تقارب أنظمتها بطرق لا تقلل من سيادة كل منها، بل تكرس التكامل الملموس والتعاون السلس. سيكون الازدهار المستدام هو الهدف الذي يأتي من خلال المواطنين الخليجيين، وليس رغما عنهم. ولسوف يحافظ مثل هذا النموذج- عندما يُفهم ويُمارس- على ريادة دول الخليج العربي في الشرق الأوسط ويؤمن لها مكانا مرموقا بين الدول الرائدة في العالم لسنوات مقبلة.