العالم الحقيقي هو العالم الذي يتألم فيه الناس، ويشقون، ويتعرّضون للظلم والقهر واللامساواة، وقد يلقون فيه، أو تُلقى على رؤوسهم، القنابل النووية. أما عالم "باربي" فالحياة فيه "بقى لونها بمبي" كما تقول أغنية سعاد حسني (1943-2001) الشهيرة، التي كانت شأنها شأن مارلين مونرو (1926-1962) مثالا للفتاة الجميلة، "الكاملة" في كلّ شيء، مظهرا وشخصية، الفتاة الحلم، لا الواقع. وكان الإيطالي كارلو كولودي صاحب "مغامرات بينوكيو" (1883) قد رسم خطّا واضحا بين العالمين: "كان يا ما كان قطعة خشب"، يقول في مطلع القصة، ليقول صراحة إنه يروي حكاية من عالم العجائب، لا من صلب الواقع، والتداخل بين العالمين لا يمكن أن يكون دون عواقب، على العالمين معا، مثلما يكتشف بينوكيو و"والده" صانع الدمى.
كانت نهاية سعاد حسني ومارلين مونرو مأسوية، لأنهما تنتميان بالفعل إلى العالم الحقيقي، وكلتاهما في مرحلة ما، كان عليهما الاحتكاك بأسوأ ما في هذا العالم: السلطة وأهلها، وبصرف النظر عن أسرار موتهما، فإننا نعرف أنهما دفعتا غاليا، في حياتهما، ثمن هذا الاحتكاك. كان على "باربي" في الفيلم المقتبس عن الدمية، حين تواجه للمرّة الأولى رجالا حقيقيين، أن تفكّك شيفرة كلامهم المشحون بالرغبة تجاه جسدها المنحوت، وأن تقول لهم إنها بلا رحم. من المفيد أن نسجّل هنا، أن ممثلات اليوم في العالم الحقيقي أيضا، يتحوّلن بصورة ما إلى "باربي" خلال مشاهد الجنس في الأفلام، فيرتدين "واقيا بلاستيكيا" يغطي أعضاءهن التناسلية، للحرص من جهة على أن يبدو التمثيل واقعيا، ومن جهة أخرى، على ألا يصبح واقعيا أكثر مما يلزم.
ظلّت "باربي" طوال "حياتها" المتخيّلة، مذ ولدت في التاسع من مارس/آذار 1959، في منأى من شرور هذا العالم. فباربي على أية حال، ليس لها حياة، بل هي "تمثيل" Representation لحياة، أو محاكاة لحياة أو استمرارية لحياة، لذا قد تبدّل مظهرها ولون بشرتها وعملها ودورها، لكنها تظلّ دوما فكرة: إنها ما تتخيّله الفتيات الصغيرات، عنها وعن أنفسهن، وكلّ ما تفعله في الواقع هو ما تشير به أيدي تلك الفتيات عليها. باربي هي جواب الفتيات الصغيرات عن السؤال الأبدي: ماذا تريدين أن تصبحي حين تكبرين؟ وفي حين جعل كولودي الجنّية الطيّبة تحوّل "بينوكيو" إلى ولد حقيقي، فإنّ باربي بين أيدي الفتيات، تظلّ فكرة وصورة، وظيفتها نقل الصغيرات من عالمهنّ، إلى عالم الخيال، أن تكون تجسيدا لرفيقات الخيال اللواتي تلعب معهن الصغيرات وتأتمنهن على أسرارها.