يبدو أن قدر الدمية باربي ألا تحظى بحياة هادئة أبدا، فمنذ ظهرت في أميركا للمرة الأولى عام 1959 والعالم يدور من حولها. بعينين لا مُباليتين، وشعر ذهبي وجسد بلاستيكي تشكَّل من مقاييس رشاقة تتجاوز الطبيعة البشرية، أوقعت الجميع في غرامها.
حققت باربي لمُصمّمتها روث هاندلر، وما زالت، ثروة هائلة، على الرغم من أن فكرتها الأولى لم تكن من بنات أفكار روث. كانت في رحلة إلى ألمانيا عندما تعرّفت على الدُمية "بيلد ليلي Bild Lilli. وخطر لها استنساخها في الولايات المتحدة، مستهدفة بذلك الطفلات اللواتي لم يكنّ حتى ذلك الوقت يلعبن بدمى تجسد نساء بل صغيرات مثلهن. سوى أن "ليلي" مُلهِمة روث البرلينية لم تكن مُصمّمة للأطفال، بل لأغراض اللهو الرجولي غير البريء، ولهذا جاءت الدمية على شكل امرأة مكتملة الأنوثة.
لتبرير هذا الاستنساخ، قرّرت روث أن تُغامِر بطرح مفهوم جديد للدمى. بدلا من أن يُختصر لعب البنات في التمرّن على دور الأمومة المقدّس، لماذا لا تبيعهن حلما يرافقهن منذ الطفولة إلى الشباب وربما يتحسّرن عليه أيضا في شيخوختهن، أن يكن على هيئة باربي الفاتنة. كان ظهور باربي ثورة من هذا الجانب، لكن من قلب هذه الثورة سرعان ما اندلعت ثورة مضادة. تبيّن أن باربي حرّرت الفتيات من قيد الأمومة، واستدرجتهن إلى فخ جديد، سجن المواصفات الشكلية المثالية للمرأة الحديثة.
أظهرت بعض الدراسات النفسية أن باربي ساهمت في تقليل الشعور بأهمية الذات عند الصغيرات اللواتي لعبن بها، بعد سن الرابعة. أمام هذا الاتهام، دافعت روث هاندلر عن نفسها، في حوار تلفزيوني معها، قائلة بلا مبالاة تضاهي لا مبالاة دُميتها: "إن نظرة النساء إلى أجسادهن سيئة من قَبل باربي". ظهرت هاندلر في صور فوتوغرافية لطفولتها بعينين حزينتين قلقتين، وحتى ابنتها باربرا، التي اشتقّت منها اسم باربي، لم ترحّب كثيرا بالدمية الصغيرة، ورفضت أن تلهو بها. وحدها باربي واصلت الابتسام والإشراق من دون أن تتغيّر نظرتها، كما ظلّت تُباع وتُصدَّر، هي وإكسسوارتها التي لا تنتهي إلى جميع أنحاء العالم. أمست هذه الدمية الشقراء، المرأة التي تريد الفتيات أن يكنّ مثلها، والفتيان أن يقترنّ بها، بغض النظر عن التنوع البيولوجي الطبيعي لأجساد النساء حول العالم.
إن موقفنا كنساء عربيات وإفريقيات من باربي أعقد من ذلك. صحيح أن هاندلر، وهي أيضا شريكة في مؤسسة "ماتل" المُنتِجة لباربي، قد صمّمت "باربيات" أخرى بألوان بشرة مغايرة ومقاييس جسدية أكثر تنوعا، وألوان شعر مختلفة، إلا أن باربي النموذجية ظلت هي المرجع، حتى بالنسبة إلى أولئك اللواتي لم تهبهنّ الطبيعة سماتها الباهرة.
العالم العربي أيضا اخترع، أو على أقل تقدير، روّج لدمى صغيرة على غرارها، بعضها جاء بثياب متحفّظة تناسب بعض ثقافاته، لكنها ظلّت في النهاية نسخا من "باربي". لم تعد باربي تدلّ على باربي فقط، بل على كل الدمى المشابهة، وهذا يعني أنها تسويقيا وإعلانيا حققت نجاحا عالميا منقطع النظير.