قفز النيجر فجأة إلى واجهة الأحداث بعد انقلاب لم تكتمل معالمه قامت به ثلة من ضباط الحرس الرئاسي أقصت رئيس الحمهورية المنتخب محمد بازوم. وما هي إلا ساعات قليلة حتى أعلن الجيش تأييده للحركة الانقلابية واستلام قائد الحرس الرئاسي السلطة الانتقالية.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه نتائج الانقلاب فإن الحدث النيجري يستكمل المشهد الانقلابي الذي أدى إلى وصول عسكريين إلى السلطة في كلّ من مالي وبوركينا فاسو، وإلى إخراج القوات الفرنسية من دولتين ناطقتين باللغة الفرنسية. الجمهوريات الثلاث كانت جزءا من اتحاد المستعمرات الفرنسية الذي أسسته فرنسا عام 1895 واستمر حتى 1958، وعُرف باسم (Afrique Occidentale Française) قبل أن تحصل جمهورياته على حريتها عام 1960 وتصبح أعضاء في الأمم المتحدة.
ينضم النيجر إلى ميادين الصراع المفتوح على النفوذ والثروة في القارة الأفريقية التي تختزن في باطنها موارد ثمينة وتتقاطع على مسطحاتها وتضاريسها- التي يعيش سكانها الأصليون فقرا مشهودا- مصالح دولية تنذر بانطلاق مرحلة حرجة من الصراعات الدولية.
الانقلاب استكمال للمشهد الدولي القائم في النيجر
لم تؤدِ مخزونات اليورانيوم والذهب والفوسفات والقصدير التي تسيطر عليها فرنسا إلى تحسين الظروف المعيشية لسكان النيجر البالغ عددهم نحو 26 مليون نسمة، يعيش 73 في المئة منهم في حالة فقر متعدد الأوجه على مستويات السكن والصحة والتعليم والدخل والسلامة، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية للعام 2021/2022.
كذلك لم تؤدِ القواعد العسكرية الأجنبية لكل من فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا إلى وضع خطة تنموية للدولة الأكبر في غرب أفريقيا (تغطي مساحة مليون و270 ألف كلم مربع) على جدول أولوياتها.
لقد أنشأت فرنسا منذ عام 2014 قاعدة للطائرات دون طيار في نيامي، إضافة إلى قاعدة متقدمة في مداما (شمال شرقي النيجر) على بعد 200 كم من ليبيا، ولدى الولايات المتحدة أيضا قاعدة عسكرية في أغاديز (شمالي النيجر) وأخرى في نيامي، حيث تقلع طائراتها دون طيار (MQ-9 Reaper). وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016 قامت ألمانيا ببناء قاعدة جوية بالقرب من العاصمة نيامي بحجة دعم بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما)، كما تتمركز قوات إيطالية في النيجر منذ عام 2013 في مهمة السيطرة على تدفق المهاجرين باتجاه سواحل المتوسط الجنوبية ومنها إلى الجزر الإيطالية، وقد تم تعزيزها عام 2021 للمشاركة في عملية "تاكوبا" التي تقودها فرنسا تحت عنوان مساعدة جيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ومواجهة المقاتلين المتطرفين في تنظيمي داعش والقاعدة.
كان بديهيا أن ترتد الانقلابات التي عرفتها دول المنطقة على الوضع القائم في النيجر رغم استقراره النسبي، فموجة الرفض للوجود العسكري الغربي القابض على مقدرات البلاد والآخذة في التمدد، لا بد أن تصل إليه. تغطي صادرات قطاع اليورانيوم أكثر من 30 في المئة من احتياجات فرنسا، لكنه لا يساهم بأكثر من 10 في المئة من فرص العمل، ونحو 16 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، كما يساهم النفط الذي بلغت عوائده 13.6 مليار دولار عام 2020 بحوالي 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي النيجري، بحسب تقرير للبنك الدولي، من دون أن يشعر المواطن بأي انعكاس لذلك على وضعه المعيشي وقدرته الشرائية ومعدل تعليمه ومستوى صحته. أحد مظاهر الرفض للوجود الأجنبي والاحتقان الداخلي في النيجر تمثّل في المظاهرة التي اصطدمت برتل لقوات "باركان" الفرنسية في منطقة "تيرا" النيجرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وأدت إلى سقوط ثلاثة قتلى من المتظاهرين. وربما لعب التعاون العسكري بين النيجر والحكام العسكريين في مالي وبوركينا فاسو، دورا في استمالة بعض القيادات الأمنية والعسكرية للسير على خطى الانقلابات.