خسارة ثالثة لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي. ما الذي يجعل هذه الشعوب تطالب بمغادرة باريس والتخلي عن روابط اقتصادية وثقافية تمتد عشرات السنين بين المركز الفرنسي والدول الأفريقية؟ وهل يد شركة "فاغنر" تدفع نحو هذه القطيعة، وهل تتمدد حرب روسيا على أوكرانيا نحو الجنوب لإذكاء النزاع بين الشرق والغرب في عالم قيد التشكل؟
للمرة الخامسة يشهد النيجر انقلابا عسكريا منذ استقلاله، فرض نفسه على العالم كحدث غطى على القمة الروسية- الأفريقية في سانت بطرسبرغ وامتدت تفاعلاته إلى عواصم دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي. اختلفت نبرة الإدانة وقوة التهديد والوعيد وحتى الترحيب، حسب طبيعة العلاقة والمصالح. فجأة لم يعد الموضوع هو تأمين الغذاء وإمدادات القمح إلى القارة السمراء التي وعدت بها موسكو أصدقاءها الأفارقة، بقدر ما صار البحث عن مخرج (مشرف) لأزمة جديدة في منطقة الساحل الأفريقي قد تعصف بوجود مئات العسكريين الأوروبيين الذين سيتقرر مصيرهم على ضوء تطورات الأحداث. في مقدمتهم جنود فرنسا التي تملك أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة لنحو 1500 جندي. وسبق لها أن خسرت قواعد مشابهة في مالي وبوركينا فاسو نتيجة انقلابين متشابهين، اتُهمت "فاغنر" بالوقوف وراءهما.
أسباب الانقلاب
رأى الحاكم الجديد في النيجر عبد الرحمن تياني أن تغيير النظام (عسكريا)، جاء لأسباب اجتماعية ولتدهور الوضع الأمني المحلي وغياب التعاون ضد الإرهاب مع الحكومتين العسكريتين في مالي وبوركينا فاسو خاصة في منطقة ليبتاكو- جورما الحدودية، التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية لافتا إلى "حالة انعدام الأمن الذي تعانيه النيجر والقوات المسلحة والسكان الكادحون من قتل وإذلال". وكانت دول عدة في منطقة الساحل حمّلت القوات الفرنسية الموجودة منذ عام 2013، مسؤولية التراخي مع تلك الجماعات المتشددة. وهو السبب نفسه الذي جعل تلك الدول تطلب من القوات الفرنسية المشاركة في "عملية بارخان" وتشارك فيها قوات من دول أوروبية أخرى منذ عام 2014، مغادرة المنطقة.
حماسة بعض الشبان أدت إلى إحراق العلم الفرنسي وسط العاصمة نيامي، كما حدث من قبل في عواصم أفريقية أخرى وهي إشارة غير ودية إلى أن جزءا من الرأي العام يؤيد الانقلاب، ويعارض الوجود العسكري وحتى الاقتصادي الفرنسي، في بلد يُوفر جزءا من حاجيات باريس من اليورانيوم لإنتاج الكهرباء رغم أنه بلد يعاني أزمة كهرباء وتتجاوز مساحته 1.2 مليون كيلومتر مربع.
فرنسا عالقة في أزمات الساحل
كرد فعل مباشر قررت باريس المستعمر السابق للنيجر، وقف كل تعاملها العسكري ودعمها المالي والتقني، عقابا على سيطرة الجيش على مقاليد السلطة بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم، الذي يشكل غيابه ضربة قوية للوجود الفرنسي منطقة الساحل والصحراء. ويقدر الدعم المالي الفرنسي للنيجر بنحو 183 مليون يورو سنويا منها 37 مليونا للدعم العسكري، لمواجهة التنظيمات المسلحة المتطرفة.