في صيف عام 2016، شرفني مستشار الأمن القومي الأميركي السابق ستيفن هادلي، ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، بدعوتي للمساعدة في تصميم مناورة، أو محاكاة لأزمة، لاختبار ما إذا كانت زيادة أو تقليل التدخل الأميركي في الشرق الأوسط سيعود بفائدة أكبر على مصالح الولايات المتحدة والأمن الإقليمي.
ودارت الأزمة حول حادث وهمي في البحر بين القوات البحرية السعودية والإيرانية. فافترضنا أن عدة زوارق هجومية صغيرة تابعة للإيرانيين تصدت لفرقاطة سعودية في المياه المتنازع عليها، جنوب غربي جزيرة أبو موسى، مما أدى إلى غرق قارب إيراني واختفاء بحار سعودي. واعتقد كل طرف أن الطرف الآخر هو المسؤول عن بدء الاشتباك، ووضع كلاهما قواته العسكرية في حالة تأهب.
واختبرنا خلال الأزمة ما إذا كانت زيادة حجم التدخل الأميركي أو تخفيفه ستنجح أم ستفشل في تهدئة الموقف وردع إيران عن التصعيد. وكانت النتيجة الأهم – والتي لا ينبغي أن تكون مفاجئة– هي أن حجم التدخل الأميركي لم يكن العامل الحاسم في فعاليته.
بالطبع، كان وجود أصول عسكرية أميركية متمركزة في المنطقة مهمّا إلى حد كبير، لأنه منح واشنطن خيارات للرد. لكن عدد هذه الأصول لم يكن العامل الأهم، أي إن حجم الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وبشكل أكثر تحديدا، قواتها ومعداتها- على الرغم من أهميته- لم يكن عاملا حاسما في نجاح التدخل الأميركي.
أما النتيجة الرئيسة الثانية من هذه المناورة فكانت إثبات أن الوجود العسكري الأكبر في المنطقة واستعراضه للقوة لم يكن العامل المساهم في ردع القوات الإيرانية على الأغلب.
ذكّرتني الأحداث التي شهدناها في الشرق الأوسط خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية بالرؤى التي استخلصناها من مناورات عام 2016؛ فعلى الرغم من تقلص الموارد العسكرية للقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) اليوم بسبب تركيز الولايات المتحدة على التحدي الذي تشكله الصين في المحيطين الهندي والهادئ وحرب روسيا ضد أوكرانيا، إلا أنها كانت أكثر فاعلية مؤخرا في تدخلاتها بالمنطقة، سواء بشكل فردي أو جنبا إلى جنب مع الشركاء الإقليميين. في الواقع، رغم كل ما قيل عن تخلي الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، إلا أن الواقع ببساطة يثبت عكس ذلك.
الأمثلة على التدخل الأميركي الفعال عديدة، لكن بعضها يستحق الذكر نظرا لأهميته؛ ففي الآونة الأخيرة، شنت القيادة المركزية الأميركية ضربة أسفرت عن مقتل زعيم داعش شرقي سوريا. وأظهرت تلك العملية بوضوح أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمهمة مواجهة داعش على الرغم من الوجود المتواضع للغاية للقوات الأميركية في ذلك الجزء من سوريا.