يعتبر المترجم المصري د. أنور إبراهيم العربي الوحيد الحاصل على ميدالية دوستويفسكي في الأدب لإسهاماته البارزة في الترجمة عن اللغة الروسية. تخرج في كلية الألسن جامعة عين شمس عام 1970، ثم حصل على دكتوراه في فقه اللغة والأدب من قسم تاريخ الأدب الروسى بجامعة موسكو عام 1983. شغل منصب رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية الأسبق بوزارة الثقافة في مصر، كما عمل مستشارا لوزير الثقافة الأسبق للعلاقات الثقافية الخارجية. حصل على وسام الشرف عام 2005 من روسيا الاتحادية لجهوده فى دعم العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا الاتحادية. صدر له نحو 25 كتابا مترجما عن اللغة الروسية بين الأدب والتاريخ والسِّيَر الذاتية.
عن حصوله على ميدالية دوستويفسكي في الأدب لعام 2022، يقول د. إبراهيم: "بالطبع لم أكن أعلم أن أحدا في روسيا يتابع ترجماتي ولكن يبدو أن صداها وصل على نحو أسعدني لأتشرّف بحصولي على هذا التكريم الرفيع".
تعرف د. أنور إبراهيم على أعمال فيودور دوستويفسكي مترجمة على يد المترجم القدير سامي الدروبي، خلال المرحلة الثانوية: "دخلت إلى عوالم هذا الكاتب السحرية الغامضة والأحداث الصادمة والشخصيات غريبة الأطوار إن جاز التعبير، وإن ظلّ الكثير من أفكاره ورؤاه عسيرا على من هو في مثل سني آنذاك، لكن الأسئلة والقضايا والبشر الذين قدمهم احتلوا أماكنهم في قلبي وعقلي حدّ البكاء أحيانا".
درس د. أنور إبراهيم اللغة الروسية وحصل على منحة للدراسة في الاتحاد السوفييتي سابقا، حيث تمحورت رسالته للدكتوراه حول البناء الفني في رواية دوستويفسكي "الأبله". بعد ذلك قدّم للمكتبة العربية ترجمة كتاب "مذكرات زوجة دوستويفسكي"، ثم "أبي فيودور دوستويفسكي" بقلم ابنته لوبوف دوستويفسكايا. وسيصدر له قريبا كتاب بعنوان "سنوات القرب مندوستويفسكي" الذي يضم يوميات ومراسلات أبوليناريا سوسلوفا عشيقة دوستويفسكي.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي استجمع الأدب الجديد قواه، وبدأ في كتابة تاريخ أدبي معاصر
رغم توليك عدّة مناصب حكومية، إلا أن مهامك الوظيفية لم تأخذك من شغفك كمترجم..
الترجمة بالنسبة إليّ رسالة وشغف. وقد أتاح لي عملي في وزارة الثقافة مترجما ثم مسؤولا عن علاقات مصر الثقافية الخارجية، فرصة كبيرة لدعم العلاقات الثقافية بين مصر والعديد من دول العالم وعلى رأسها بطبيعة الحال روسيا الاتحادية التي أقمت فيها عدة فعاليات ثقافية، وقد أتاح لي ذلك السفر عدة مرات إلى هناك، وبالطبع كنت حريصا على زيارة المكتبات والتعرف مباشرة على أحدث الإصدارات وترجمة ما تيسر منها مما رأيت أنه قد يشكّل إضافة مهمة للقارئ، كما أتاحت لي الزيارات التعرّف مباشرة على عدد من الكتاب والمترجمين الروس المعاصرين.
كيف تختار الكتب التي ترغب في ترجمتها عن الروسية؟
درست تاريخ الأدب الروسي فى جامعة موسكو لفترة تقرب من خمس سنوات. وقد كشفت لي الدراسة أن هناك الكثير من الأعمال الهامة على مستوى الإبداع والنقد غائبة عن القارئ العربي. لذلك أهتم بترجمة ما يتعلق بتاريخ الأدب الروسي نفسه حتى أقدّم صورة عن الخلفيات الثقافية والاجتماعية والسياسية لهذا الأدب وسير حياة الكتاب الروس وعرض أهم أعمالهم وما تركته من أثر. من هذه الأعمال أذكر كتاب "مائة عام من الأدب الروسي"، و"الماس والرماد.. حوار ميخائيل باختين مع فيكتور دوفاكين". وكما هو معروف، فباختين واحد من أهم نقاد وفلاسفة القرن العشرين. وتكشف حوارته عن الاتجاهات الأدبية والفنية والفلسفية والحلقات الثقافية السرية وأعضائها فى روسيا خلال القرن العشرين. إلى جانب ذلك قدمت كتابا بعنوان "نماذج من النقد الروسي المعاصر" يتيح للقارئ فهم الأعمال الكلاسيكية الروسية وكشف رموزها وأسرارها. كما ترجمت رواية "صيف فى بادن" التى كانت محظورة ولم تنشر فى روسيا إلا بعد "البيروسترويكا"، وأعكف حاليا على ترجمة كتاب عن الأدب الروسي في المهجر، ليتعرف القارئ أكثر على كتاب روسيا الذين أبدعوا أعمالا نالت شهرة عالمية.
المشهد الراهن
ماذا عن المشهد الراهن، هل هناك أسماء جديدة بارزة في الأدب الروسي؟
بعد الأحداث الدرامية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، كان السؤال الذي تردّد على لسان الكثيرين، سواء فى روسيا أو خارجها: هل لا يزال هناك أدب روسي؟وعندما اقترب القرن الماضي من نهايته، تبين أن الإقبال على القراءة تراجع في روسيا على نحو كارثي، كما أن مهنة الكتابة فقدت جاذبيتها بالنسبة إلى جيل الشباب، وفي أبريل/ نيسان 2001 نظم صندوق البرامج الثقافية لأول مرة منذ سنوات طويلة مائدة مستديرة جمعت حشدا من الخبراء والشباب الذين ناقشوا فرص خلق ظروف جديدة للكتابة والنشر. وانتشر عدد من الكتاب المعروفين والإعلاميين الأدبيين والنقاد ، في نحو عشرين مدينة روسية لإجراء لقاءات إبداعية بحثا عن كتاب جدد والحصول على مخطوطات كتبهم، وفي أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام، اجتمع في موسكو الفائزون في المسابقة الإبداعية، الذين بلغ عددهم 150 أديبا من أرجاء روسيا كافة، وانضم إليهم بعد ذلك الكتاب الذين يعيشون فى الخارج. كان هذا حدثا ثقافيا هائلا. حينها استجمع الأدب الجديد قواه، وبدأ في كتابة تاريخ أدبي معاصر.
بعد الأحداث الكبرى فى العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا عادت روسيا لتولي اهتمامها بهذه المنطقة
ماذا عن الترجمة العكسية من اللغة العربية إلى اللغة الروسية؟
الترجمة من العربية ظلت مزدهرة في حقبة الاتحاد السوفييتي تحديدا، حيث عمل المستشرقون/المستعربون على ترجمة الأدب العربي القديم والحديث نثرا وشعرا، فضلا عن كتابة الأعمال العلمية في التاريخ والسياسة. وقد ترجمت أعمال رفاعة الطهطاوي وطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف القعيد ويوسف إدريس ومحمد المخزنجي وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم وغيرهم. وذلك حين كانت كل دور النشر حكومية. تراجعت حركة الترجمة عن العربية إلى الروسية تراجعا ملحوظا بعد سيطرة القطاع الخاص. ولكن بعد الأحداث الكبرى فى العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا عادت روسيا لتولي اهتمامها بهذه المنطقة، وقد طلب مني معهد موسكو للترجمة مقترحا بالروايات المصرية التى يمكن ترجمتها الروسية. وهذا المعهد أنشئ خصيصا لدعم حركة الترجمة وأتمنى أن يكون التعاون ثنائيا في هذه التجربة.
تحديات
من المعروف أن الترجمة مهنة شاقة، فما أبرز التحديات التي تواجهها؟
بالفعل الترجمة مهنة شاقة لأنها ليست مهنة البحث عن معنى الكلمات فى القواميس أو اختيار المترادفات. على المترجم أن يتعلم كل يوم وأن يعرف ما وراء الكلمة من تاريخ وما تعكسه من ثقافة وتقاليد تتغير بمرور الزمن لتحمل تراكيبها معاني جديدة وظلالا دقيقة. فعلى سبيل المثال، تقول إحدى الكاتبات الروسيات فى سيرتها الذاتية "أنا ابنة المطبخ الروسي". وقد استوقفتني طويلا هذه العبارة إلى أن عرفت أن الروس كانوا يعيشون فى شقق مشتركة في الحقبة السوفييتية، وكان السكان من مختلف المهن يجتمعون فى المطبخ الوحيد لتناول وجبة العشاء، حيث يتحادثون ويفضفضون عن مشكلاتهم ويصرحون بمعاناتهم وطموحاتهم لمستقبل بلادهم، وهذه الفتاة الصغيرة تعلمت السياسة وما يدور حولها في المطبخ. الترجمة موهبة كالموسيقى والرسم وهي تصقل بصورة يومية من خلال القراءة ويمكن للمترجم أن تكون له ذائقة لغوية خاصة وقدرة على إحياء الكلمات القديمة وبعثها من جديد. كما تحتاج الترجمة إلى الحدس وهو لا يأتي إلا بعد دراسة كل ما يحيط بالنص من ظروف وملابسات بل وبالكاتب وحياته، وخاصة التي تتعلق بإبداعاته السابقة وتطورها. فالمترجم مبدع ومؤلف مواز وباحث من الطراز الأول لأنه يعيد اكتشاف النص ويعرف كيف يقدّمه لقارئ جديد مختلف عن القارئ الذي كتب له النص في مكان آخر وفي زمان مختلف.
لم تتوقف كمترجم عند النصوص الأدبية والنقدية بل ترجمت كتبا بحثية وسياسية وفكرية، ماذا عنها؟
كما سبق وذكرت، الترجمة رسالة وعلى المترجم بناء على ذلك أن يكون صاحب مشروع يحقق من خلاله مهمته فى إيصال ما لدى الآخر من علم وثقافة إلى من يعنيهم هذا الأمر. اعتدت منذ أيامي الأولى فى جامعة موسكو المرور على أكشاك الكتب التي كانت تعرض بأثمان زهيدة كافة إصدارات دور النشر السوفييتية وأكاديمية العلوم بتخصصاتها المختلفة ومعاهد الاستشراق، فضلا عن المجلات الدورية والصحف والمجلات المتنوعة. لفت نظرى العديد من الكتب التي تتناول تاريخ بلادنا والعلاقات العربية الروسية ومذكرات السياسيين حول أحداث عاصروها فى بلادنا، وجميعها تستند إلى وثائق ومخطوطات من الأرشيف الروسي. أي أنها تحتوى على صفحات مجهولة من تاريخنا وهي تمثل أهمية كبرى بالنسبة إلى الباحثين وقد بدأت فى اقتنائها على الفور على أمل ترجمتها. ومن بين ما ترجمت كتاب "تطور الفكر الاجتماعي العربي من 1917 حتى 1945"، و"رحلة إلى ضفاف النيل المقدسة- الروس في مصر"، و"مصر من ناصر إلى حرب أكتوبر"، و"ذات يوم في مصر"، و"الاستراتيجية الأميركية في القرن الحادي والعشرين" و"اليهود فى الإمبرطورية العثمانية" وغيرها من الكتب التى كشفت عن صفحات مجهولة من تاريخنا. ولا تزال هناك كتب باللغة الروسية تضم أبحاثا هامة فى تاريخ مصر القديمة والرومانية والمعاصرة بل وعشرات القصائد كتبها رحالة روس جاؤا إلى مصر.