دمشق: قبل ثلاث سنوات دعتني والدة صديق مقرب لمشاركتها طعام إفطار رمضان، هذه الأم الرائعة كانت بالنسبة إليّ صديقة عزيزة، نتبادل الكتب والنكات طوال ثلاثة عقود وأكثر، حين نجتمع كأصدقاء في منزلها في أوقات متباعدة، كان أصدقائي يتهمونني بالفوضى ويؤلفون دعابات كثيرة عن إهمالي لكلّ شيء، فكانت تدافع عني ضدّ كل تنمر وتعتبر أنّ فوضاي جزء من حياتي ككاتب وفنان. بفضلها كسبت معارك كثيرة، لكنها بالنسبة إليّ كانت امرأة متعلقة بأشيائها، تحبّ الحديث عنها بشغف غريب، إلى درجة أنني فكّرت في كتابة رواية كاملة عنها، لكن حبي لها وحبها لأشيائها منعاني من العمل على هذه الرواية التي ما زلت أفكر فيها كمشروع كبير، يمكن من خلاله كتابة تاريخ بلاد، خاصة وأن هذه الأم الرائعة لطالما جسّدت عندي نموذج التعاطف الصادق والدعم الكبير الذي قدّمته لي مجموعات أمهات لا أنكر أفضالهن عليّ، لاسيما وأنها تنتمي إلى الطبقة الوسطى، المتعلمة أرفع تعليم، ولديها مشروع مدني واضح، لا لبس فيه.
كانت الدعوة قبل سنوات إلى منزلها تربكني رغم حبي الشديد لدعواتها، كانت في الولائم تُخرج أدوات المائدة القديمة من خزانتها، تخبرنا عن تاريخ شرائها، وكيف أحضرت كؤوس النبيذ من روما، وكؤوس ماء من إسطنبول، وعن أطباق الفاكهة الصغيرة هدية عرسها من حماتها التي أوصت صديقة لها بشرائها من ميونيخ، خصيصا لزوجة ابنتها المولعة بالأناقة والأشياء المميزة.
كانت هذه الفقرة من العشاء خاسرة بالنسبة إليّ، غالبا ما أذهب إلى السطيحة المطلة على المدينة، أدخن وأهرب من فقرة المجاملة التي يخوضها أصدقائي بحماس كبير، تسامحني على تجاهلي مشاركتها شغفها بالأشياء، لم أكذب عليها يوما، كنت أروي لها نكتة متداولة بين أصدقائنا المقربين عن شرائي أطباقا وأدوات مطبخ ماركة ليمارك. كنت أحدّث أصدقائي بفخر عن اقتنائي تلك الأدوات لأول منزل اشتريته، وفاجأتني صديقة حين أخبرتني بأنها ماركة شعبية ولا قيمة لها لأفاخر بها.