ترغب أوروبا بمهاجرين من كفاءات عالية لمنافسة الولايات المتحدة والصين والهند، وتعويض شيخوختها المهددة بالفناء الديموغرافي. لم تعد القارة العجوز في حاجة إلى عمالة رخيصة مزعجة ثقافيا وممتنعة اندماجيا وحضاريا، قادمة عبر قوارب الموت، لا يفيد منها سوى تجار تهجير البشر. أوروبا لا تضيرها سرقة عقول الدول التي تسببت في نهب خيراتها قبل عقود، والمنافسة الاقتصادية لها أولوية على القيم الأخلاقية في موضوع الهجرة.
مع ارتفاع درجة الحرارة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ينخفض ارتفاع الموج الأزرق، وتزيد معه رغبة الوصول إلى الضفة الشمالية، الفردوس المفقود لعشرات الآلاف من مغامري ركوب البحر في هجرات سرية، خلسة من خفر الحدود، في رحلات قد تدوم بضع ساعات لكنها محفوفة بأعلى درجات الخطر. وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، قضى 6 آلاف شخص، معظمهم من الشباب والنساء والأطفال، غرقا في البحر المتوسط العام المنصرم، جلهم ينحدر من الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء. كما قضى 950 شخصا غرقا في المحيط الأطلسي بين أفريقيا وأوروبا. وتساهم الحروب والنزاعات والصعوبات الاجتماعية في تنامي اقتصاد تجارة تهريب البشر التي تحولت إلى تجارةدولية رابحة عابرة للقارات، في مناطق غابت عنها سلطة الدولة.
وتحول غرق قارب للهجرة السرية أمام سواحل اليونان أخيرا، كان على متنه مئات من الحالمين بالوصول إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، إلى أزمةبين الاتحاد الأوروبي والأمم والمتحدة، بعد تشكيك المفوضيةالسامية لشؤون اللاجئين في الراوية اليونانية عن أسباب جنوح القارب واختفائه في البحر، وربما بتسجيل تقصير في "مساعدة أشخاص في خطر"، بحسب صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، التي وصفت الحادث بالمأساة الإنسانية. وطالبت باكستان بفتح تحقيق دولي حول أسباب الغرق وظروف اختفاء مئات الأشخاص معظمهم من إقليم البنجاب، دفع كل مهاجر منهم نحو 8 آلاف دولار لشبكة الاتجار في البشر، من أجل رحلة انطلقت من السواحل الليبية قبل ليلة منتصف يونيو/حزيران الماضي.
في الأسبوع نفسه، غرقت غواصة سياحية على متنها خمسة أثرياء دفعوا 250 ألف دولار للتمتع بضعة دقائق بمشاهدة بقايا سفينة "تايتنيك" التي غرقت أمام السواحل الكندية في رحلتها من بريطانيا إلى نيويورك عام 1911، وكان على متنها مئات من المهاجرين والمغامرين الأوروبيين نحو العالم الجديد في أميركا. منذ ذلك التاريخ، شكل الحدث قصة رحلة مأسوية أسالت كثيرا من الحبر والدراما السينمائية.