بيروت: يصعب ردّ الجدل الذي أثارته تغريدة الوزيرة السابقة والإعلامية مي شدياق خلال دعوتها إلى مطعم وسط بيروت، والتي اعترضت فيها على عدم تقديم الكحول، إلى حدود واضحة. إذ أن السجال الذي أثير حولها وعبرها تجاوز كل الحدود، ورُبط بعناوين عريضة كمسألة الحرية، كما فتح نقاشا حول هوية البلد والشكل الذي يفترض أن يعكسه المكان العام ومعناه وطبيعته.
قالت الوزيرة السابقة في تغريدتها: "ماذا يحصل في بعض مطاعم وسط بيروت التي ترفض تقديم المشروب، لماذا تغيير صورة لبنان الانفتاح؟ أنت حر في اعتبار الخمر منكرا وأنا أحترم ديانتك لكن في ديانتي قليل من الخمر يفرح قلب الإنسان؟ يا عالم نحن في بيروت عاصمة الحرية وتقبل الآخر.لا تدخلونا في عادات لا تشبهنا".
تحاول شدياق الدفاع عن تعريف للفضاء العام الذي لا يجب في رأيها أن يعكس عقيدة معينة بل عليه أن يكون مطابقا لعنوان عريض ومتخيّل عن بلد ينظر إليه على أنه حاضن للانفتاح، ويرسم لعاصمته بيروت لوحة تتجلّى فيها معاني الحرية وتقبّل الآخر.
الجماعية التي تتجلّى في صيغة تعليق شدياق والتي تريد من خلالها الإيحاء بأنها تنطق بلسان عام وشامل، ترتدّ في واقع الحال إلى خصوصية ضيقة إذا ما قسناها على جملة المواقف والتطلعات والآراء الصادرة عنها وعن التيار السياسي الذي تؤيّده والبنية الثقافية والهوياتية التي تتحرّك من خلالها وتعبر عن نفسها من داخلها. كل ذلك يصعّب من مناقشة احتجاجها ضمن منطق الصواب والخطأ، بقدر ما يعكس البنى الصراعية والهوياتية المنفجرة في البلد والتي لم تنجح يوما في نسج أي تعريف واضح للأسس التي يقوم عليها والهوية التي يتشكل منها، فقد بقيت مفاهيم الحرية والانفتاح بمثابة صدى لتعريف يُطلق على المال السائب مؤكدا أنه يعلّم الناس الحرام، وقياسا عليه يمكن القول إن المفاهيم السائبة جعلتها محلا للتأويلات التي لا تنتهي.
صراع التأويلات في بلد مثل لبنان لم يكن صراعا تقوده نخب أكاديمية وفكرية بل كان على الدوام صراعا مسلحا ودمويا تركّب الأفكار انطلاقا منه ولا تبنى عليه. وقد استحضرت الردود على تغريدة شدياق مناخا كان يسود اعتقاد أنه تراجع وذوى في بلاد يقول خطابها الرسمي إنها خرجت من نفق الحرب الأهلية من 33 عاما. حين يُستعاد خطاب امتلاك الأماكن وأصلها والحديث عن الطابع العام لمكان محدد لناحية الغلبة الطائفية والتي يمكن من خلالها فهم وشرعنة ممارسات معينة أو طقوس معينة لناحية القبول والرفض والسماح أو المنع، فإن ذلك يعني أن شدياق في تصوراتها الواردة في تغريدتها تتحدّث عما لم يوجد بعد، وعما ما لم يكن يوما قائما.