ما حصل في إسرائيل اليوم لجهة تمرير الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي (الـ 64 عضوا من 120)، من المنتمين للتيارين القومي والديني، تعديلا يقضي بتقويض السلطة التشريعية، من خلال الحد من صلاحيات المحكمة العليا، ليس حدثا عاديا، لا سيما مع انسحاب 56 عضوا معارضا من جلسة الكنيست، في خطوة ذات مغزى.
يمكن ملاحظة ذلك من عدة زوايا، يكمن أهمها في:
أولا، هذه السابقة الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل، منذ قيامها قبل 75 عاما، التي يتم فيها صوغ قانون أساس، أو اتخاذ قرار يمسّ بطبيعة النظام السياسي، أو بخيارات الدولة، من قبل نصف الكنيست، أو أزيد قليلا، مقابل النصف الأخر، في حين، في مرات سابقة، كانت تبذل أقصى الجهود من أجل التوصل إلى توافقات وسط، بما يعزز وحدة المجتمع الإسرائيلي، ومناعة الدولة، كضرورة وجودية في مواجهة ما تعتبره إسرائيل محيطا معاديا.
ثانيا، هذا القانون يطيح بالطابع الذي تروجه إسرائيل عن نفسها كدولة ديمقراطية ليبرالية وكامتداد للغرب في المنطقة، إن لصالح كونها دولة يهودية، ولصالح تقويض الفصل بين السلطات وهيمنة السلطة التنفيذية على كل السلطات. إذ بذلك تسيطر حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على السلطة القضائية، في حين إنها تسيطر بطبيعة الحال على السلطة التشريعية (بأغلبية الـ 64 عضوا) في الكنيست، ما يعني أنها بذلك تتحرر أيضا من أية مراقبة قانونية.
ثالثا، بدت إسرائيل هذه المرة غير معنية البتّة بالاستجابة للضغوط الخارجية، من الدول الغربية الحليفة، وضمنها الولايات المتحدة، حتى إنها صدت بجلافة التلميحات والطلبات المباشرة، من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن بالامتناع عن تلك الخطوة، بتصريحات من نتنياهو والوزيرين المتطرفين يتسئيل سيموتريش وايتمار بن غافير، عبرت بصفاقة عن رفض أي تدخل اميركي، بدعوى أن إسرائيل دولة ديمقراطية وإن فيها حكومة منتخبة، تقرر ما هو الأفضل لها؛ في حين إنه في مفاصل سابقة كانت إسرائيل تنصاع للبيت الأبيض. حدث ذلك في الانسحاب من سيناء (1956)، وإبان مفاوضات كامب ديفيد مع مصر (1977)، ولدى التحضير لمؤتمر مدريد للسلام (1991)، في الأزمة التي حدثت بين حكومة اسحق شامير والرئيس جورج بوش (الأب).