هذا الاختراع المثير للجدال هو ذروة ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي في مجال التطبيقات العسكرية، وهو اختراع يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية وقانونية حول مدى قدرة جسم معدني، يسير وفق خوارزميات غامضة، على اتخاذ القرار الصائب بالضغط على الزناد، وقتل انسان، دون أن يرفّ له جفن، وهذا ما يناقشه الوثائقي الذي يستعين بخبراء وسياسيين وعسكريين لشرح أبعاد هذه التقنية، والتغيير الذي قد تحدثه في حروب المستقبل، وتداعيات مثل هذا الإجراء الذي يعطي فرصة الانتصار في الحروب لمن يستحوذ بشكل أفضل على التكنولوجيا العسكرية، لا لمن يمتلك جيوشا جرارة، وعتادا ضخما.
وعلى الرغم من بشاعة المعارك، أو كما يقال إن "لا شيء جيدا في الحروب سوى نهايتها"، غير أن قرار القتل في المعارك التي شهدتها البشرية، كان يصدر دائما عن محارب بشري يملك ولو قدرا ضئيلا من المشاعر والعواطف الإنسانية التي قد تردعه عن التمادي في إصدار أوامر القتل. علاوة على أن هذا المحارب البشري يتحمّل، في النهاية، مسؤولية قراره، إن كان صائبا أم خاطئا. أما أن يعهد بمثل هذا القرار المصيري إلى روبوت، يستطيع بمفرده، ومن دون تدخل بشري، أن يبحث عن هدفه، ويشتبك معه، في البر والبحر والجو، ويرديه قتيلا، فإن مثل هذا الإجراء "غير مقبول سياسيا، وبغيض أخلاقيا"، كما ترى المسؤولة الأممية إيزومي ناكاميتسو التي يستضيفها الفيلم والتي تطالب بـ"منع هذه التقنية، في جميع الأحوال، ودون استثناء".
العاطفة الانسانية
المفارقة هنا أن المدافعين عن هذه التقنية، وهم في غالبيتهم من العسكريين ومن الشركات المصنعة للأسلحة، يستندون بدورهم إلى مسألة العواطف لتبرير موقفهم، إذ يرون أن المشاعر تتحكّم في تصرفات البشر وقد تدفعهم، تحت تأثير الغضب واليأس والخوف من الهزيمة، إلى إصدار أوامر متسرّعة وخاطئة، في حين أن الروبوت الآلي سيتصرّف بمعزل عن تلك المشاعر، وسيقرّر بهدوء ما ينبغي فعله في اللحظات الحاسمة، وهو ما قد ينقذ أرواحا.
بيد أن الذين يبررون شرعية "الروبوتات القاتلة" بذريعة أن القائد العسكري قد يصدر أوامره تحت تأثير الغضب، في حين أن الروبوت سيلتزم إصدار الأمر دون أي انفعال، يتجاهلون حقيقة أن القائد العسكري قد يتأنى، كذلك، وفي حالات مختلفة، عن إصدار أوامر القتل، لانه يدرك قيمة الحياة الإنسانية، ويتقيّد ولو بأدنى قدر بقواعد الاشتباك وحماية المدنيين، مهما بلغت سطوته وجبروته، في حين أن الروبوت، فضلا عن أنه لا يكترث بسلامته، ولا يفكر في النجاة مطلقا، لا يدرك قيمة حياة الآخر، ولا يشعر بأي ذنب حين يرى الدماء تسيل من جنود العدو، ناهيك بأنه يعجز عن التمييز بين المقاتلين والمدنيين، ولئن أصابه العطب، فثمة روبوت آخر جاهز للانقضاض.
ثمة قصص كثيرة، وردت في أفلام أو روايات، عن جنود تراجعوا في اللحظات الأخيرة عن قتل خصومهم بعدما تعاطفوا معهم لهذا السبب أو ذاك، بل إن الكثير من الجنود لا يتخلصون حتى بعد سنوات طويلة من انتهاء الحرب، من عقدة الذنب والشعور بالندم جراء صور المعارك الرهيبة التي تستقر في ذاكرتهم، ومثل هذه المشاعر التي تنم عن نزعة إنسانية متأصّلة لدى البشر، يفتقر الروبوت إليها بالطبع.
علاوة على هذه الفطرة الإنسانية، ثمة جانب يتعلق بالتربية والمعتقدات الدينية، فمن المعروف أن الديانات جميعا تدعو إلى السلام وتمنع القتل، وقد يشكل ذلك رادعا للكثير من الجنود، الذين يؤمنون في غالبيتهم بعقيدة دينية ما، في اتخاذ قرار القتل، على عكس الروبوت الذي لا يأبه حتما لتلك الروادع الدينية، ولا يمتلك قناعات غيبية، بل يخضع لمنطقه الخاص المبني على معادلات وأرقام لا علاقة لها بقدسية النصوص الدينية.
مأزق قانوني
مثل هذا الجدال يقود الى مأزق قانوني يتعلق بهذه التقنية، ففي حين أن الضابط الذي يصدر أوامر خاطئة سيتعرض للمحاكمة، وقد يحكم عليه بالسجن، وثمة أمثلة لا تحصى عن ضباط أميركيين وإسرائيليين، على سبيل المثل، تعرضوا لمحاكمات قادتهم إلى السجون، جراء سوء التصرف. من نافل القول هنا إن الروبوت لن يتعرض لمثل تلك المحاكمات حتى وإن تصرف بشكل سيئ، وأطلق النار على الهدف الخاطئ.
بالطبع، المنظمات الحقوقية ستحمل المسؤولية في مثل هذه الحالات للجيوش التي استعانت بالروبوتات القاتلة، لكن حتى في هذه الحالة ليس هناك شخص معين لمحاكمته، وستقيّد القضية، على الأرجح، ضد مجهول، كما يشير عنوان السلسلة التي تعرضها "نتفليكس"، وتتضمن وثائقيات عدة، بينها هذا الفيلم الذي يتناول روبوتات القتل.