شغلت القصة القرآنية مساحة لا يستهان بها في القرآن الكريم، ذلك أن لها أهدافًا وغاياتٍ منها تعميق العقيدة في نفوس المسلمين، وبيان وحدانية الله وقدرته وخلق السموات والأرض، وأخبار الأمم السابقة، وبعث الأنبياء وما لاقوه من مشقة في دعوة أقوامهم إلى عبادة الله وحده. وهذه القصص دعوة للتفكر ومن ثم الالتزام بالنموذج المعرفي الكامن فيها (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
وقد وردت قصة خلق آدم في سبع سور من سور القرآن الكريم، ونلحظ تكرارا في القصص القرآني، لكنه ليس بالمعنى الذي تدل عليه كلمة تكرار بل هو ملمح وإضافة أخرى في القصة.
اعتمدت قصة خلق آدم في عرض أحداثها على عنصري السرد والحوار بين الله والملائكة وبين الله وابليس. وحفلت بنية القصة بمستويات من الأحداث وهي في مجملها موجهة إلى المفرد المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم:
_ الخلقُ (الله سبحانه وتعالى).
_ الطاعةُ (الملائكة).
_ التمردُ (إبليس).
_ العصيانُ (آدم وحواء).
اعتمدت قصة خلق آدم في عرض أحداثها على عنصري السرد والحوار بين الله والملائكة وبين الله وابليس. وحفلت بنية القصة بمستويات من الأحداث وهي في مجملها موجهة إلى المفرد المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم
وهذه الأحداث تتحرك في اتجاهين مختلفين: اتجاه علويّ، حيث الجنة والملائكة وآدم وحواء وإبليس. واتجاه سفليّ أرضيّ حيث يطرد الله إبليسَ بعد أن عصى وتمرّد ورفض أن يسجد لآدم كما أمره الله، ويتحرك في الاتجاه نفسه آدم وحواء بعد أن استجابا لغواية الشيطان (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)، أمّا شخوصها- ما عدا الله سبحانه لأنه هو الذي يصنع الأحداث ويصنع الشخوص فلا يمكن أن نضعه بموازاتهم- فهم الملائكة وإبليس وآدم وحواء، وهؤلاء الشخوص هم الذين يستجيبون للأحداث فيتحركون بشبكة من المؤثرات الذاتية.
فظهرت كل شخصية وقد سيطرت عليها فكرةٌ ما، فالملائكة كانوا متوجسين من ذلك المخلوق الذي قد يفسد في الأرض ويسفك الدماء، وهم يسبحون بحمد الله ويقدسونه، وفي كل السور التي وردت فيها قصة خلق آدم، تظهر الملائكة منقادة لله منفذة لأمره فتسجد لآدم دون أدنى اعتراض (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)، لكنَّ إبليس لم يسجد (إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا)، يظهر إبليس في كل السور عنصريا متعاليا متشبثا بفكرة التفوق على البشر آدم (قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ). وقد جاءت استجابته بنسق متشابه، ما بين رفض إلى استعلاء وتحقير وإصرار على الإفساد.
أمّا آدم وحواء فبعد أن وسوس لهما الشيطان ظهرا وقد سيطرت عليهما فكرة الخلود في الجنة، فوعيا حقيقة الخلد وحقيقة أن يكونا ملكين فيها بوسوسة الشيطان فوقعا فريسة لغوايته، فجاءت استجابتهما انتكاسة كشفت عن قوة تأثير إبليس ونسيان ما أمرهما الله به وهو عدم الاقتراب من الشجرة، مما يؤكد إنسانية آدم التي من أبرز سماتها النسيان (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ).
نجد في هذا الخطاب تركيزًا على الاستجابة السلبية وما ترتب عليها من لعن وطرد وعقاب إلى يوم الدين
وعندما امتنع إبليس عن السجود لآدم وعصى الله، ساءله اللهُ بجمل مبدوءة باستفهام إنكاري:(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)؟ وجاء رد إبليس عما سأل الله عنه مبرِّرًا عدم سجوده بقوله: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْته مِن طِينٍ).
ولـمَّا أمعن إبليس في تعاليه على آدم وتمرده على ربِّه، أمره الله بقوله: (فَاهْبِطْ مِنْهَا ... فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)، ثم لما أيقن إبليس من طرد الله له توسل إليه قائلًا: (أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، فكان جواب الله له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ)، لكنه أخذ في المعاندة والتمرد متوعدًا بغواية بني آدم، بقوله: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) فلا يعبدونك ولا يوحدونك بسبب إضلالك إياي.
ونجد في هذا الخطاب تركيزًا على الاستجابة السلبية وما ترتب عليها من لعن وطرد وعقاب إلى يوم الدين، ذلك أنَّ الكبر والاستعلاء والإمعان في العناد والإصرار على الفساد والإفساد يستوجب ذلك كله غضب الله، بما يكشف عن تحرّك النصّ ضمن وظيفة تحذيرية للمتلقين، أي المسلمين عامة من الوقوع في فخّ الكفر بالله ومعصيته ومخالفة أوامره، لكنه يتحرّك في اتجاهٍ آخرَ وهو أنَّ التوبة والغفران يتحققان بالاستغفار وعدم القنوط من رحمة الله (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).