بينما كانت السيارة تقلنا على الطريق بين مدينتي القامشلي والرقة، أقصى شمال شرقي سوريا، المحكوم من قِبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كانت الإذاعة المحلية تنقل خبرا عن وقوع القيادي في هذه القوات، أصلان أحمد إلكان، المنحدر من ريف بلدة رأس العين، ضحية تفجير في مدينة منبج، الواقعة ضمن المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات.
بعد عدة أيام، تواصلت "المجلة" مع عائلة الضحية، المقيمة راهنا في قرى محافظة الرقة، بعد نزوحها من منطقتها الأولى، عقب سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا عليها، في شتاء عام 2019. فأصلان هو شقيق القيادي الآخر في قوات سوريا الديمقراطية، جمال إلكان، الذي قُتل أثناء مواجهة مع أفراد من تنظيم داعش داخل مدينة الرقة، وشقيقه الآخر، حقي إلكان، انتسب لجهاز الأمن الداخلي المرتبط بقوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2012، وأخوهم الرابع ما يزال يشغل منصبا أمنيا رفيعا في هذه القوات داخل مدينة الرقة.
العائلة المنحدرة من "عشيرة الولدة" العربية، فخذ "الحويوات"، المنتشرة بكثافة في كامل الريف الشمالي لمحافظة الرقة، كان العشرات من أبنائها قد انتسبوا إلى قوات سوريا الديمقراطية بعد اغتيال أحد أبناء عمومتهم القاضي أحمد الخليف، من قِبل التنظيمات "المتطرفة"، بسيارة مفخخة داخل مدينة رأس العين في خريف عام 2012، حيث كانت تحكم المدينة جزئيا وقتئذ، وتفرض أنواعا من الهيمنة على السكان المحليين.
يقول أقارب أصلان لـ"المجلة" إن انتماء أبنائهم لقوات سوريا الديمقراطية متأت بالأساس من "إيمانهم بأن هذه القوات تحمل مشروعا مختلفا عن النظام السوري والقوى الظلامية وأشكال الهيمنة الإقليمية على سوريا"، مذكرين بأن أبناءهم تدرجوا في كافة الأجهزة الداخلية الخاصة ضمن القوات، بما في ذلك قيادة جهاز الأمن الداخلي الأكثر "سرية"، القوات الخاصة (HAT).
وأثناء زيارة المقبرة المخصصة لأفراد قوات سوريا الديمقراطية في مدينتي الرقة والطبقة، يكتشف المتابع أن حالة هذه العائلة ليست فريدة، بل هي نموذج لآلاف العائلات "العربية" التي ينتسب أبناؤها إلى قوات سوريا الديمقراطية، بمختلف تشكيلاتها. فالأرقام غير الرسمية تقول إن تعداد "المقاتلين العرب" ضمن صفوف تلك القوات يتجاوز 65 ألف مقاتل، من أصل قرابة 100 ألف مقاتل.
يمكن ملاحظة كثافة حضور المقاتلين "العرب" في كافة نقاط انتشار قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة التي تسيطر عليها شمال شرقي سوريا، في الحواجز الأمنية المنصوبة والفاصلة بين مراكز المدن والبلدات والدوريات الراجلة وداخل المؤسسات العسكرية والأمنية وحتى الاستخباراتية والمدنية لهذا التنظيم العسكري. ثمة تنوع "عرقي/قومي" في كل تلك الهياكل، يمكن ملاحظته من الملامح العامة للمقاتلين والمشرفين على تلك المؤسسات، مرورا باختلاف اللهجات ومناطق الانحدار؛ فالمنطقة الشاسعة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات، الممتدة على أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع، تشكل ثُلث مساحة سوريا تقريبا، تقطنها أغلبية سكانية عربية، تقول بعض المصادر الأكثر واقعية إنهم يبلغون قرابة 75 في المئة من أصل 5.5 مليون نسمة مقيمين في تلك المنطقة. أما النسبة الباقية فهي من الأكراد بالأساس، وأقليات صغيرة أخرى، السريان والشيشان والتركمان والأرمن والجركس.
رؤيتان متباينتان
ثمة قراءتان متعارضتان بالنسبة لموقع وسلطة وحتى تعداد المقاتلين العرب ضمن قوات سوريا الديمقراطية، المُصنفة من قِبل الكثيرين كـ"قوات كردية" بالأساس.
واحدة تقول إن وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) اللتين تأسستا خلال عامي 2012 و2013 على التوالي، وكانتا ذات صبغة وهوية كردية خالصة، بسبب نشاطهما الأولي في المناطق ذات الأغلبية الكردية في أقصى شمال سوريا، ما تزالان النواة الصلبة والفاعلة ضمن قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكلت كاتحاد بين كثير من المجموعات العسكرية في خريف عام 2015، تحضيرا لمعركة تحرير مُدن نهر الفرات من تنظيم داعش، وعلى رأسها مدينتا الطبقة والرقة. وإن حضور وتعداد المقاتلين العرب ضمن تلك القوات لا يعني مساواتهم وسلطتهم مع العناصر الكردية ضمن نفس القوات.