العلاقات التجارية بين إيران والعراق.. توازن مختل

العلاقات التجارية بين إيران والعراق.. توازن مختل

[caption id="attachment_659" align="aligncenter" width="620" caption="العلاقات التجارية بين إيران والعراق.. توازن مختل"]العلاقات التجارية بين إيران والعراق.. توازن مختل[/caption]
تتسم العلاقات بين إيران والعراق بالتعقيد، على الصعيدين السياسي والاقتصادي. في الثمانينات، خاضت كل من إيران والعراق حربا مريرة استمرت ثمانية أعوام تسببت في دمار الدولتين، ولم يتحقق لأي منهما نصر حاسم. غيرت الحرب، التي تجاوزت الصراع الآيديولوجي بين العراق البعثي المفرط في القومية، وإيران الدينية المفرطة في آيديولوجيتها، من مصير البلدين، كما غيرت الحرب العالمية الأولى من مصير أوروبا في بداية القرن العشرين.

كانت أكبر خسائر الحرب سقوط مليون قتيل في إيران ونصف مليون قتيل في العراق. ولم تكن مفاجأة أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدها الجانبان فادحة كذلك. وفي الستينات وبداية السبعينات، شهد كل من إيران والعراق تطورا سريعا من الاقتصاد الذي يعتمد إلى حد كبير على الزراعة والرعي إلى دولتين صناعيتين تحققان دخلا متوسطا، حيث حققتا نموا مضاعفا وإنجازات في البنية التحتية مصاحبة لهذا النمو. وفي عام 1988، كانت كلتا الدولتين قد أنفقتا مئات المليارات من الدولارات على الحرب (بقياس دولارات الثمانينات) مما تسبب في انهيار اقتصادي لم تتعاف منه أي من إيران أو العراق بصورة تامة. وعانت الدولتان من انخفاض معطل في إنتاج النفط، مصدر دخلهما. وأصبح العراق، الذي اقترض بحرية من دول عربية أخرى لتمويل جهوده في الحرب، أكثر اقتصاد مدين في العالم.

ربما لا يداوي الزمن كل الجراح، ولكن خلفت المسافة الزمنية تأثيرا كبيرا على العلاقات الاقتصادية بين هاتين الدولتين اللتين كانتا في الماضي عدوتين لدودتين. عادت العلاقات التجارية مباشرة بعد الإطاحة بصدام حسين، الذي كان حاكما للعراق منذ عام 1979، على يد الغزو الأميركي عام 2003. ومنذ ذلك الحين، ازداد حجم التبادل التجاري السنوي بين إيران والعراق، ليصل إلى نحو 8 مليارات دولار عام 2010 مقارنة بـ1.5 مليار دولار عام 2009.

في الواقع، أصبحت إيران أهم شريك تجاري للعراق. وتتميز السلع الإيرانية بأنها أقل سعرا من السلع الصينية، نظرا لانخفاض تكاليف الشحن البري من إيران. لقد تحسنت العلاقات التجارية كثيرا في الأعوام الأخيرة لدرجة أن العراق أعلن في مارس (آذار) عام 2010 عن عزمه إنشاء منطقة تجارة حرة بالقرب من البصرة، ثاني أكبر مدينة في العراق وأكبر موانيه. وتردد أيضا حديث عن إقامة بلدات صناعية مشتركة على الحدود البرية بين الدولتين.

من المعروف أن إيران والعراق يشتركان فيما هو أكبر من الحدود، ولكن أحيانا ما يتم تجاهل هذه الصلة. لقد كان انتصار الشعب الذي يتحدث بلغة سامية في العراق والشعب الذي يتحدث الفارسية في إيران سجالا بينهما، وحكم بعضه بعضا على مدار ما يزيد على أربع ألفيات. ونتيجة لذلك، امتزجت لغتهما وثقافتهما وجيناتهما لدرجة أنه في بعض الحالات أصبح من المستحيل تقريبا تتبع من أين بدأ التأثير وأين انتهى.

على سبيل المثال، من المعتقد أن بغداد اسم فارسي قديم معناه «هدية الرب». ولعل أهم تأثير ثقافي كان في الفتح العربي الإسلامي للإمبراطورية الساسانية - التي كانت تمتد إلى موقع العراق في العصر الحديث - في القرن السابع ميلادي، وقد أثر ولا يزال يؤثر على لغة إيران ودينها حتى الآن.

ويستمر الإسلام أيضا في التأثير على العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق. بخلاف دولة البحرين المجاورة، يعد كل من إيران والعراق الدولتين المسلمتين الوحيدتين على وجه الأرض اللتين تسكنهما غالبية شيعية. وفي كل شهر، يحتشد عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين متجهين إلى المدينتين العراقيتين النجف وكربلاء - وهما أهم مكانين مقدسين للشيعة بعد مكة والمدينة - حيث ينفقون الملايين على الإقامة والغذاء والانتقالات.

وعلى الرغم من الدفعة التي يقدمها ذلك للاقتصاد المحلي والقومي، فإن العديد من العراقيين يشعرون أن ذلك الحج يمثل المصدر الكبير الوحيد الذي تقدمه إيران بحسن نية للاقتصاد العراقي. ويقولون إن سياسيين ورجال أعمال إيرانيين استغلوا الأعوام السبعة الأخيرة للاستفادة من انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق من أجل استغلال الحكومة الناشئة في العراق واقتصادها لمصلحتهم هم. بل وذهب البعض، مثل عضو البرلمان العراقي السابق إياد جمال الدين، إلى وصف التأثير الاقتصادي الإيراني بنوع من الاحتلال والاستعمار.

ويمكن فهم مصدر مثل تلك الادعاءات إلى حد ما، حيث تتسم العلاقات التجارية بين الدولتين بأنها أحادية الجانب بصورة غير طبيعية. تشمل أهم الصادرات العراقية التمر والكبريت والجلود، بينما تصدر الشركات الإيرانية السيارات والوقود وإمدادات طبية ومواد بناء إلى العراق، حيث يبنون أيضا مصانع وفنادق ومدارس ومساكن ومستشفيات.

على سبيل المثال، أقامت شركة «سانر» الإيرانية محطة كهرباء بالقرب من حي مدينة الصدر في بغداد، مما يُذكّر بعض العراقيين بالنفوذ الإيراني في كل وقت يستخدمون فيه المفتاح الكهربائي.

يؤمن آخرون بأنه في حين قد تسيطر إيران على العراق من خلال المشاركة السياسية والتبرعات الخيرية ومكانتها غير القابلة للجدل كزعيمة للعالم الشيعي، فإن كونها صاحبة اليد العليا في الشراكة التجارية ربما يكون أمرا عرضيا وعابرا. نتيجة لقرار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بتخفيض مفاجئ لدعم النفط الذي كانت حكومته تقدمه في ديسمبر (كانون الأول) - الذي أدى إلى ارتفاع أسعار البترول والديزل إلى أربعة أضعاف بين عشية وضحاها - كان هناك انخفاض حاد في حجم السلع العابرة إلى العراق. وعلى النقيض من العقوبات الأجنبية، التي خضعت أو تخضع لها حاليا الدولتان، أثرت أسعار الوقود بصورة كبيرة على الأسواق الرمادية والسوداء النشيطة غير المنظمة في العراق وإيران أيضا.

وبعيدا عن تكاليف الوقود، ربما يملك العراق أسبابا أخرى لإعادة النظر في خياراته. لقد انضمت الهند، أكبر شريك تجاري لإيران، إلى الجهود الأميركية والأوروبية التي تعمل على خنق اقتصاد إيران، التي يشتبهون في أن مطامعها النووية تتجاوز إنتاج الكهرباء. ومن خلال منع الشركات الهندية من إجراء صفقات عبر غرف مقاصة تحجب هوية الطرفين المشاركين في الصفقة، تقوض الهند المنافذ الرئيسة التي تتهرب بها الشركات الإيرانية من الحصار المالي الأوروبي والأميركي. وربما يقرر العراق، الأكثر استقرارا وثقة وانتهازا للفرص وحماسا للتخلص من أغلال النفوذ الأجنبي، أن يبتعد ببطء عن ارتباطه القوي بجارته الشرقية.



*جون وينبرغ - تخرج عام 2009 في جامعة هارفارد، حيث درس الحكم ولغات وحضارات الشرق الأدنى. ويقيم حاليا في مدينة نيويورك حيث يعمل صحافيا متخصصا في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
font change