يقرأ الروائي المغربي إسماعيل غزالي في هذا النصّ، دلالات حضور الشجرة عند تاركوفسكي ومحمود درويش وسليم بركات.
شجرة السينمائي
قلّما يخلو فيلم لأندريه تاركوفسكي من حضور شجرة، لا تبزغ في المشهد كشيءٍ يضيف لبلاغة المكان، بل كشخصيّةٍ رمزيّةٍ أيضا. هذا حال فيلمه الأخير "القربان" أو "التضحيّة"، الذي يبدأ متنه البصري بألكسندر الأب (ممثل مسرحي متقاعد) مع ابنه في جزيرة عزلاء. يغرس الأب شجرة جافّة على حافّة البحر، بمحاذاة طريق تعرّج صوب بيته في الأقصى، وهو يسرد على ابنه حكاية أحد الكهنة قام فيما مضى بزراعة شجرةٍ جافة مماثلة في أعلى الجبل وطلب من تلميذه أن يقوم بسقيها كلّ يوم كي تحيا الشجرة من جديد، وهذا ما تفاجأ به التلميذ حينما التزم بوصيّة الكاهن وتحقّقت المعجزة.
- في البداية كانت الكلمة وأنت الآن أخرس مثل سلمون. قال ألكسندر لابنه.
إنّها الشجرة نفسها التي ستزهر في نهاية الفيلم، بعد أن يحترق بيت الممثّل المسرحي في مشهد شعريّ مهول، ويظهر الصبيّ وحده مع الشّجرة التي باتتْ يانعة وخضراء كما شجرة الكاهن.
- في البداية كانت الكلمة، لماذا يا أبي؟ نبس الصبيّ الأخرس أخيرا وقد أوتي نعمة الكلام على نحو مفاجئ.
عن شجرة فيلم "القربان" كشف أندريه تاركوفسكي في كتابه "النحت في الزّمن"، بأنّها ترمز إلى الإيمان.
بحسب الفيلم، الإيمان بالفكرة أو الشيء تلزمه تضحيّة أيضا، بدونها لا يمكن أن تُزهر شجرة الوجود. هو مبدأٌ دينيٌّ في الأصل، حاولتْ استيهاماتُ الفيلم أن تلبسه أقنعة فلسفية، نيتشيّة بالذّات.