يتخذ فيلم "مدينة الكويكب Asteroid City"، أحدث أفلام المخرج الأميركي ويس أندرسون، من وقائع مسرحية متخيّلة تجري أحداثها في خمسينات القرن الماضي في نيويورك، ذريعة سردية له، كأنه من خلال هذه اللعبة، أي السرد داخل السرد، أو المسرحية داخل الفيلم، يكسر الجدار الثالث، فنرى الممثلين وهم يتنقلون بين عالميين سرديين، عالم المسرحية وعالم الفيلم، بل نرى الشخصية الرئيسة في الفيلم تنتقل حرفيا من رأس الكاتب المسرحي، إلى حيّز الواقع، وتقدّم نفسها بنفسها إلى المؤلف الذي يراها شخصية "كاملة" على حدّ وصفه.
الفيلم الذي يحتشد بالنجوم، ومنهم جيسون شوارتزمان وسكارليت جوهانسون وتوم هانكس وبرايان كرانستون وستيف كاريل وإدوارد نورتن، يبدو مسكونا بالهاجس الجمالي، في الوقت الذي لا يجد فيه أندرسون حرجا في أن يخبرنا طوال الوقت، بصورة غير مباشرة، بأن جميع هذه الشخصيات، هي مجرد أفكار وتصوّرات وروافع حكائية لهذا الحسّ الجمالي الذي يتبدّى من خلال تكامل مختلف العناصر المكوّنة له.
تتوالى أحداث فيلم أندرسون الشهير بأسلوبه السردي والجمالي الخاص، على خلفية موقع صحراوي غرائبي، يشهد تنفيذ تجارب نووية في مكان قريب منه، وفي الوقت نفسه هو موقع احتفال سنويّ يمنح فيه الجيش جوائز سنوية للمراهقين العباقرة الذين ينجزون اختراعات لا تقلّ غرائبية عن المكان نفسه. مع ظهور الشخصيات تباعا، تتكشّف عدسة أندرسون الغنية بالتفاصيل والمرتبة بدقّة بالغة، ومعها في طبيعة الحال الحوارات السريعة التي يلقيها الممثلون بطريقة متشابهة، تؤكّد، كما في أفلامه الأخرى، أن هذه الشخصيات الواقعة على حافة الواقع والمتخيّل، أو الحقيقي والمخترع، تقطن في الكون السينمائي نفسه.
لعلّ إحدى أهمّ مميزات ويس أندرسون هي قدرته على صناعة عوالم جذابة وفريدة من نوعها، تتمدد وتسترخي بحسب رؤيته وتوجهاته. هذه العوالم، كما نجد على سبيل المثل، في فيلم The Grand Budapest Hotelتبدو آتية من كون آخر، وكل كادر سينمائي يحكي جانبا من القصة ويدفعها قدما بحرفية عالية، حتى تبدو تلك العوالم مقولبة بأكملها داخل عدسته السينمائية. ولكن في أفلام أخرى يبدو هذا التطرّف في صنع العوالم أقل حدّة، والعوالم نفسها تتمدّد بصورة أكبر وتبدو أكثر شمولية، ولعلّ أحد أفضل أعمال ويس اندرسون على هذه الشاكلة هو فيلم The Royal Tenenbaums.