كان أحد التحديات الأولية للوفد التركي في لوزان هو أن يعامَل على قدم المساواة. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الأربع من احتلال الأراضي العثمانية، أثرت الخلافات الداخلية بين الحلفاء بشكل كبير على مجرى الأحداث، وأثبتت الخلافات بينهم، وخاصة فيما يتعلق بتقسيم الغنائم، أنها مفيدة لتركيا.
في الواقع، اعترفت فرنسا بحكومة أنقرة عام 1921 وزودتها بالأسلحة، بما في ذلك المدافع الرشاشة. كما توصلت إيطاليا إلى تفاهم مع القوميين الأتراك. ومع ذلك، في لوزان، حاربت فرنسا وإيطاليا بضراوة للحفاظ على التنازلات والامتيازات الأخرى.
على الجانب التركي، كانت هناك طريقتان. إحداهما نهج متطرف متجذر في الرغبة في إحياء الإمبراطورية، بينما سعى الآخر إلى إنشاء دولة قومية مستقلة تماما على بقايا الإمبراطورية المتدهورة التي مزقتها الحرب.
بعد تحقيق النصر العسكري، سعى القوميون الآن إلى تأمين انتصارهم السياسي، وجرى التوقيع أخيرا على معاهدة لوزان في 24 يوليو/تموز 1923، وصادقت عليها رسميا الجمعية الوطنية التركية الكبرى في أنقرة يوم 21 أغسطس/آب.
رسمت المعاهدة حدود تركيا، وحلّت القضايا الإقليمية، ووفرت الأساس لبناء دولة تركية جديدة. اتبعت الحدود بين تركيا وسوريا نفس الخطوط المحددة في اتفاقية أنقرة الموقعة مع فرنسا عام 1921، ما يعني بقاء الإسكندرونة (هاتاي) خارج حدود تركيا. ولكن تركيا وفرنسا توصلتا في عام 1937 إلى اتفاق أدى لاستقلال الإسكندرونة (هاتاي)، وإنشاء جمهورية هاتاي. وبعد استفتاء عام 1939، انضمت هاتاي إلى تركيا.
وفشلت تركيا وبريطانيا في التوصل إلى اتفاق بشأن منطقة الموصل، لكنهما اتفقتا على التفاوض بشأن الأمر بشكل ثنائي، ثم عرْضه لاحقا على عصبة الأمم، التي قررت عام 1925 منْح المحافظة إلى العراق.
بعد معاهدة لوزان، ظلت الحدود بين تركيا واليونان على النحو المبين في معاهدة مودانيا للهدنة. تمت إضافة منطقة كراجاك إلى الأراضي التركية كتعويض عن الحرب. وأصبحت بوزكادا وجوكسيادا، مع جزر تافشان، الآن تحت السيادة التركية، بينما ظلت جزر بحر إيجة الأخرى التي حصلت عليها اليونان في الاتفاقيات السابقة جزءا من اليونان. ومع ذلك، لم يكن من المقرر استخدام هذه الجزر لأغراض عسكرية، بالنظر إلى المتطلبات الأمنية لتركيا.
ظلت جزر دوديكانيز تحت السيطرة الإيطالية قبل أن تتسلمّها اليونان لاحقا بعد الحرب العالمية الثانية. وجرت أكثر المفاوضات تحديا حول المضيقين اللذين يربطان البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. ووفقا للنسخة النهائية من معاهدة لوزان، جرى إنشاء مجلس دولي يرأسه تركي لممارسة السيادة على المضيق، بضمان عصبة الأمم. وتم تجريد شاطئي المضيق من السلاح، ومنعت القوات التركية من دخول المنطقة. بيد أن هذه القيود أُلغيت في النهاية عام 1936 باتفاقية مونترو، التي منحت تركيا السيادة الكاملة على المضائق.
على المنقلب الآخر، نسيت مفاوضات لوزان تماما تطلعات أرمينيا وكردستان، التي تم تصورها في معاهدة سيفر. ولعل واحدا من أهم منجزات تركيا كان إلغاء التنازلات التي فرضتها الدول الغربية على الإمبراطورية العثمانية لما يقرب من 400 عام. منحت هذه التنازلات امتيازات سياسية وقضائية واقتصادية لدول أخرى، مما تسبب في إلحاق الضرر والإذلال بالإمبراطورية. وقد ألغت جمعية الاتحاد والترقّي التنازلات في البداية عام 1914، دون أن يُنفّذ القرار بسبب الحرب الكونية الأولى وتداعياتها. أخيرا، في لوزان، تخلصت تركيا بشكل دائم من التنازلات.
رفضت تركيا دفع تعويضات الحرب التي طالب بها الحلفاء، وعلى الرغم من أن الترك لم يحصلوا على 4 ملايين قطعة نقدية ذهبية طلبوها من اليونان، إلا أنهم تلقوا كراجاك وبوسناكوي في اليونان كتعويض. وأقرت المادة 59 من معاهدة لوزان بأن أعمال الجيش اليوناني أثناء احتلاله للأناضول "تتعارض مع قوانين الحرب".
طالب الأتراك بإزالة بطريركية الروم الأرثوذكس من تركيا، ولكن الحلفاء عارضوا هذا الاقتراح. في النهاية، بينما لم تتضمن المعاهدة نصا محددا بشأن وضعها، جرى الاتفاق على بقاء البطريركية في إسطنبول بشرط أن تنخرط فقط في الشؤون الدينية المتعلقة بالرعية المحلية.
ووفقا للمؤرخ ستانفورد شو، أزالت معاهدة لوزان القيود المفروضة على قدرة تركيا على بناء قواتها العسكرية. وألغيت المحاكم الأجنبية والمختلطة، وكذلك النظم البريدية الأجنبية. كما أنهت المعاهدة الإشراف الأجنبي على تعامل تركيا مع أقلياتها.
على الرغم من أن "لوزان" كانت نجاحا كبيرا لتركيا، فقد واجه عصمت إينونو انتقادات من جماعات المعارضة التي ادّعت أنه قدم تنازلات مفرطة. كان من أكثر الجوانب التي تعرضت للانتقاد تخلي تركيا عن حقوقها في مصر وقبرص. ولكن للعدل نذكّر أن العثمانيين كانوا قد تنازلوا بالفعل عن قبرص عام 1878 ومصر عام 1882
وحتى يومنا هذا، بعد مئة عام على توقيع المعاهدة، تستمر بعض الجماعات الآيديولوجية والاتجاهات العثمانية في انتقادها، مدعين دون أساس أن ثمة بنودا سرية تحظر على تركيا استكشاف مواردها الطبيعية أو أن المعاهدة ستنتهي بحلول عام 2023. بيد أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أي أساس في الواقع.