كان لأرسطو العديد من التأملات والأفكار حول الوقت فقد اعتبر ذلك الفيلسوف الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد أن الوقت جانب أساسي من عالم الطبيعة. حاول أرسطو استكشاف طبيعته وخصائصه في أعماله؛ وكان يعتقد أن الوقت مفهوم موضوعي موجود بشكل مستقل عن الإدراك البشري.
كما اعتقد أرسطو أن الوقت مرتبط ارتباطا وثيقا بالحركة والتغيير إذ اعتبره مقياسا للحركة ورأى أنه شرط ضروري لحدوث التغيير؛ وقال إن الأجرام السماوية توفر إطارا لقياس مرور الوقت.
وبينما كان أرسطو يؤمن بالوجود الموضوعي للوقت، فإنه لم يغفل الجانب الذاتي للإدراك البشري للوقت، فأقر بأن الأفراد قد يشعرون بالوقت بشكل مختلف بناءً على حالاتهم وأنشطتهم وظروفهم العقلية. كانت أفكاره مؤثرة في تشكيل الفكر الغربي، وقد تطور فهمنا للوقت بشكل كبير منذ ذلك الحين، بفضل العديد من النظريات؛ وأبرزها نظرية النسبية للعالم الشهير ألبرت آينشتاين.
تمدد الزمن بين الجاذبية... ودوائرنا العصبية
أحدثت نظرية النسبية، ثورة في فهمنا للزمن بعدما قدمت مفاهيم رئيسة تتعلق بالوقت منها تمدد الزمن؛ وهو المفهوم الذي يزعم أن الوقت ليس مطلقا بل مرتبط بحركة الراصد ومجال الجاذبية. فالزمن يتحرك بشكل مختلف بالنسبة الى الأشياء أو المراقبين في حالات نسبية مختلفة للحركة أو الجاذبية؛ ويحدث ذلك التمدد بسبب تأثير الجاذبية. فوفقا للنظرية، كلما كان مجال الجاذبية أقوى، تحرك الوقت بشكل أبطأ. هذا يعني أن الوقت يمر بشكل أبطأ بالقرب من الأجسام الضخمة مثل الكواكب أو النجوم أو الثقوب السوداء، مقارنة بالمناطق ذات مجالات الجاذبية الأضعف.
لكن؛ ومثلما تؤثر الجاذبية على الزمن؛ يمكن لدوائرنا العصبية أن تمدد أو تضغط تجربتنا الذاتية للوقت؛ بحسب دراسة حديثة نُشرت في دورية "نيتشر: نيوروساينس".
يقول آينشتاين ساخرًا: "ضع يدك على موقد ساخن لمدة دقيقة، فسيبدو الأمر كأنه ساعة. اجلس مع فتاة جميلة لمدة ساعة، فستمر كأنها دقيقة". في تلك الدراسة؛ استخدم العلماء الحرارة لمحاولة الإجابة عن التساؤل الذي لطالما شغل العلماء والفلاسفة: كيف تدرك أدمغتنا الوقت؟
يعتمد الكثير من سلوكيات البشر والحيوانات على الوقت؛ إذ يجب عليهم استخراج الهيكل الزمني من البيئة لتعلم توقع الأحداث، وفهم العلاقات بين الإجراءات والنتائج، وتقدير الوقت، ضمنيا أو بشكل صريح للتخطيط والتسلسل والتنسيق الصحيح للعمل. فحين يهاجم أسد غزالا؛ يصبح التوقيت أمرا حاسما. وحين يزرع الإنسان نباتا؛ يصبح التوقيت أيضا أمرا حاسما؛ بل وحين نمشي؛ أو نجري؛ فإن توقيت حركة أقدامنا أمر أساسي.
بحسب الدراسة؛ يبدو أن آليات التوقيت موزعة عبر الجهاز العصبي، مما يعكس أهمية المعلومات حول الوقت في كثير من وظائف الدماغ.