أنقرة - أحمد داود أوغلو، سياسي تركي بارز، تربطه علاقة وثيقة ومعقدة بالرئيس رجب طيب أردوغان. كان الرجلان ذات حين حليفين قريبين، خاضا جنبا إلى جنب معارك قضائية وسياسية داخل تركيا، وشكّلا التحالفات في الخارج. مرت صداقتهما وتحالفهما بالكثير من الاختبارات والتحديات لكنهما بقيا متحدين لزمن طويل. شغل داود أوغلو منصب مستشار أردوغان ووزير الخارجية، ثم رئيسا لوزرائه.
ولكن كلّ ذلك وصل لنهايته، فتباعدت مسارات الرجلين في النهاية. ظل أردوغان رئيسا وعزز سلطته وأحدث تغييرات في النظام السياسي. بينما انتقل داود أوغلو من الحكومة إلى المعارضة، حيث طُرد من الحزب الحاكم، فتابع من خلال تأسيس حزبه السياسي مع آيديولوجيا مماثلة.
قصة أحمد داود أوغلو مثيرة للاهتمام للصحافيين ووسائل الإعلام، بما في ذلك "المجلة". لقد لعب أردوغان دورا محوريا في انتقال داود أوغلو من الأوساط الأكاديمية إلى السياسة، ومارس نوعا مختلفا من التأثير عندما أقنعه بالتخلي عن السلطة ودفعه بسلوكه إلى الانضمام لصفوف المعارضة عام 2018. ومنذ ذلك الحين، راح الرجلان يتبادلان الانتقادات والضربات السياسية في تنافس محموم أثناء الانتخابات. بذل داود أوغلو جهودا كبيرة للإطاحة بـ"صديقه القديم" في انتخابات مايو/أيار الماضي، لكنه لم ينجح في سعيه، بل بقي أردوغان في القصر الرئاسي وسيستمر في شغل المنصب لمدة خمس سنوات أخرى.
الحديث مع داود أوغلو لا بد أن يتناول العلاقة الشخصية مع أردوغان وتحولات الرئيس. ولا بد أن يتناول مستقبل تركيا بعد تجديد ولاية أردوغان لخمس سنوات، مع التوقف عند أسباب فشل المعارضة في الانتخابات الأخيرة والاستعداد للانتخابات البلدية في ربيع العام المقبل. وقد أكد داود أوغلو أن هذه لحظة حاسمة بالنسبة لأردوغان لتغيير أسلوبه في الحكم والتحرر من النفعية ومعالجة مخاوف الشعب التركي. وأكد على الحاجة الملحة للتخفيف من حالة الخوف السائدة بين السكان، سواء كان ذلك "الخوف من النظام أو من البديل".
ونظرا إلى دور داود أوغلو باعتباره وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء أثناء اندلاع "الربيع العربي"، كان لا مفر من مناقشة نتائجه. أعرب داود أوغلو بصراحة عن أن "الربيع" قد أدى إلى فشل جماعي، مع عدم ظهور أي طرف كفائز واضح. وتطرق في حديثه أيضا إلى موقفه من الرئيس السوري بشار الأسد.
فبينما دعا باستمرار إلى استقالة الأسد منذ عام 2011، أعرب حليفه في المعارضة التركية، كمال كليشدار أوغلو، عن استعداده لمقابلة الأسد في حال فوزه في الانتخابات التركية. وأوضح داود أوغلو أن موقفهم لا يزال راسخا في تنفيذ القرار 2254 باعتباره مفتاح الحل في سوريا. إذا قام الأسد بتنفيذ هذا القرار، فإنه سيفتح إمكانية تطوير العلاقات مع جميع الأطراف المعنية، وليس النظام فقط.
وكان الوضع الدولي أيضا محل نقاش، حيث شدد داود أوغلو على ضرورة إعادة تعريف مؤسسات الأمم المتحدة لإنشاء نظام متعدد الأقطاب ودعا إلى نظام إقليمي جديد. ورفض احتمال نشوب حرب تقليدية بين الولايات المتحدة والصين، وسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة للصراعات. ووفقا لما قاله لـ"المجلة"، فإن الحروب الآن لها أبعاد اقتصادية وتكنولوجية بدلا من أن تقتصر على ساحة المعركة التقليدية.
أجريت هذه المقابلة في 20 يونيو/حزيران، بمكتب "حزب المستقبل" في أنقرة، وتقدم رؤى داود أوغلو حول المسار المستقبلي لتركيا، والتحديات التي تواجه المعارضة، وتداعيات "الربيع العربي"، والمشهد الدولي المتطور.
* ما الدروس المستفادة من الانتخابات؟
- أولا، الانتخابات تحصل في أجواء تتعلق بحكم القانون والعدل والمنافسة العادلة. هذه أمور مهمة. حتى 2017 جرى تغيير النظام السياسي من نظام برلماني إلى حالة خاصة من النظام الرئاسي. في الواقع، النظام البرلماني السابق لم يكن برلمانيا صرفا... لقد تحولنا من نظام برلماني مزيف إلى نظام رئاسي مزيف.
وحسب هذا النظام الرئاسي المزيف، السلطة في يد الرئيس وليس كما هو الحال في أميركا حيث إن هناك فصلا واضحا للسلطات.
في تركيا حسب النظام القائم والتجربة، فإن السلطة مركزة في يد الرئيس بما فيها النظام القضائي. بينما في الأنظمة الرئاسية الأخرى، القضاء يدقق في سلطات الرئيس. السلطة التشريعية في البرلمان أيضا تحت سلطة الرئيس، لأن غالبية البرلمان في أيدي حزب الحكومة.