تتزايد المعنويات المتفائلة مع تضييق الإمدادات في السوق المادي (physical market) للعقود الفورية، وهذا ما عكسه تقرير صادر عن وكالة معلومات الطاقة الأميركية على المدى القصير، توقعت فيه أن يتجاوز الطلب على النفط العرضَ على مستوى العالم في النصف الثاني من السنة الجارية.
توقعات متفائلة
بالتوازي، أفادت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الأخير، أن الطلب العالمي على النفط يتجه نحو الارتفاع بمقدار 2,2 مليون برميل يوميا في عام 2023 ليصل إلى 102,1 مليون برميل يوميا في المتوسط، أي بانخفاض في الطلب مقارنة بما ورد في تقرير الشهر الماضي الذي توقع نمو الطلب 2,4 مليون برميل يوميا، وهذا أول خفض لتوقعات الوكالة هذا العام. كما أنه من المتوقع أن يؤدي خفض الإنتاج الذي أعلنته المملكة العربية السعودية وروسيا، إلى سحب فائض البراميل من السوق، مع ما يعكسه ذلك على الهياكل السعرية للأشهر المستقبلية للعقود الآجلة.
يتوافق تقرير منظمة "أوبك" لشهر يوليو/تموز الجاري مع توقعات وكالة الطاقة الدولية بنمو الطلب العالمي على النفط، حيث يتوقع التقرير أن ينمو الطلب 2,4 مليون برميل يوميا في عام 2023، بعد تعديل صعودي بنحو 0,1 مليون برميل في اليوم مقارنة بتوقعات الشهر الماضي.
يرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع الطلب في الصين في الربع الثاني من السنة الجارية على الرغم من انخفاض واردات النفط الخام الصينية في أبريل/نيسان الماضي بنسبة 16 في المئة إلى 10,4 ملايين برميل يومياً، متراجعة من أعلى مستوى لها في 33 شهرا عند 12,37 مليون برميل يوميا في شهر مارس/آذار المنصرم، بينما سجلت صادرات المنتجات النفطية الصينية أدنى مستوى لها في تسعة أشهر. ويرتقب أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمعدل 2,2 مليون برميل في اليوم في 2024، ليصل إلى نحو 104,25 ملايين برميل في اليوم.
إلا أن هذه التوقعات غير مقنعة لأن قوة السوق الفعلية انعكست في أداء أسعار البراميل الفورية في سوق "Spot Market" في الربع الأول من السنة، المدعومة بتضييق الإمدادات، والتي سعرت بعلاوة، في مقابل أسعار عقود النفط الآجلة المستمرة في التراجع بسبب ضغوط ارتفاع أسعار الفائدة الذي قد يُبطئ النشاط الاقتصادي ويُضعف الطلب على النفط. أما في الربع الثاني، فسيطرت حالة "عدم يقين" كبيرة على التوقعات. وقد يكون استمرار حال الانفصال الكبيرة بين الأسواق الفورية من جهة، والتراجع الكبير للأسواق الآجلة من جهة أخرى، بمثابة تنبيه آخر للسوق بعد ثلاث سنوات على الفوضى التاريخية في أبريل/نيسان 2020، التي ألقت الضوء على الحاجة الملحّة لمعايير نفطية دولية أكثر شفافية.
وقد تراوح سعر خام برنت ما بين 72 و88 دولارا للبرميل منذ بداية عام 2023، بمتوسط 82 دولارا للبرميل، فيما كان متوسط سعر خام برنت عند 101 دولار للبرميل العام المنصرم، و71 دولارا لعام 2021.
المخزونات الاستراتيجية
أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن المخزونات الاستراتيجية الأميركية بلغت في مطلع السنة الجارية 372 مليون برميل، مقارنة بـ 638 مليون برميل قبل عامين، وكانت وصلت ذروتها في عام 2010 عند 727 مليون برميل. أي تم استنفاد أكثر من ثلث احتياطي البترول الاستراتيجي خلال الـ 12 شهرا الماضية والمخزون المتبقي هو الأدنى منذ ما يقرب من 40 عاما.
لا شك أن عملية السحب من الخزن الاستراتيجي الأميركي، وإن لم تحدث أي ضغط على الأسعار أو تغير في ميزان العرض والطلب، ساهمت في إغراق الأسواق بالنفط الخفيف القليل الكبريت من جهة، وأجبرت مصافي التكرير الأميركية على شراء النفط العالي الكبريت من الخزن الاستراتيجي، لتعظيم هوامش الربحية أثناء ذروة ارتفاع أسعار المشتقات البترولية قبل أشهر، وأيضا تخلصت من نفط تم تخزينه على مدى أربعين عاما وما يصاحبه من مشاكل جودة الخام الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي (SPR) لأن المصافي ستحتاج إلى الوقت والمال لإزالة التلوث قبل البدء بعمليات التكرير.
وتشير آخر البيانات لمخزونات النفط التجارية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شهر مارس/آذار، الى أنها كانت عند 195 مليون برميل، وهو أعلى من الفترة نفسها قبل عام، ولكن أقل بـ 34 مليون برميل من المتوسط في السنوات الخمس الأخيرة.
يؤثر رفع البنوك المركزية سعر الفائدة على تكاليف تخزين النفط على نحو مباشر وغير مباشر كالآتي:
أولا: زيادة تكلفة الاقتراض. حيث سيكون على المستثمرين في تخزين النفط، دفع فائدة أعلى على الديون التي يتعاملون بها.
ثانيا: زيادة التقلبات في الأسواق المالية التي قد تؤثر في القدرة على الاستثمار في تخزين النفط.
ثالثا: التغيرات في قيمة العملة خصوصا مع ارتفاع سعر الدولار الأميركي بفعل رفع سعر الفائدة، الذي قد يؤدي إلى زيادة تكاليف التخزين للدول التي تستورد النفط بالدولار.
رابعا: انخفاض الطلب على النفط مما يزيد الحاجة إلى التخزين، وبالتالي يرفع التكاليف.
ارتفاع ضغوط الفائدة
تعرضت أسعار النفط لضغوط من مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة أسعار الفائدة على الرغم من تعزيز تحالف منتجي "أوبك بلس" خفض الإنتاج، ولا يتوقع أن تخفض المنظمة الإنتاج مرة أخرى استجابة لزيادة أسعار الفائدة الأميركية.
مع تباطؤ النمو في الاقتصاد الأميركي، تضيف علامات التحذير في أسواق الطاقة إلى مخاوف المستثمرين من أن الركود يلوح في الأفق لدى أكبر مستهلك في العالم، ويعتبر الانخفاض الحاد للطلب على الديزل مؤشرا الى ذلك.