أردوغان يغير مساره

تغيير مفاجئ لمواقف أردوغان بعد أن نجح في إعادة انتخابه بصعوبة

أردوغان يغير مساره

من المفترض أن روسيا وتركيا تتمتعان بـ"علاقة خاصة"، ولذلك فمن غير المتوقع أن يشعر الكرملين بالغبطة لرؤية الرئيس الأميركي جو بايدن يحتفي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة الناتو الأخيرة.

حتى عهد قريب جدا، قبل ذهاب الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع، وصف أردوغان بوتين بأنه "صديق عزيز"، وأصر في مقابلة مع "CNN" على أنّ أنقرة ستستمر في تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع موسكو على الرغم من غزو الأخيرة الشامل لأوكرانيا. من جانبه أوضح الزعيم التركي قائلا: "تحتاج روسيا وتركيا إلى بعضهما البعض في كل مجال ممكن".

وعلى الرغم من انضمام تركيا إلى حلف الناتو، والذي قدم دعمه لكييف في جهودها للدفاع عن الأراضي الأوكرانية، إلا أنّ إصرار أردوغان على مواصلة سياسة تطوير العلاقات مع روسيا لم يتزعزع. وفي واقع الأمر، تجلى النهج المشوش لأنقرة في الصراع الأوكراني في حقيقة مفادها أنّ تركيا قد زودت الأوكرانيين بطائرات بيرقدار التركية، وبالمساعدات الإنسانية.

وعلى الرغم من موقف تركيا المتردد تجاه الصراع في أوكرانيا، والذي أثار كثيرا من الإحباط لدى باقي أعضاء حلف الناتو، إلا أنّ أردوغان استمر في الإصرار على عدم انحياز تركيا لأي طرف في هذا الصراع، وأنها لن تدعم نظام العقوبات التي فرضتها دول الناتو الأخرى على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي.

قبل ذهاب الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع، وصف أردوغان بوتين بأنه "صديق عزيز"، وأصر على أنّ أنقرة ستستمر في تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع موسكو رغم غزو الأخيرة الشامل لأوكرانيا

وقال أردوغان إن "الغرب لا يقود نهجا متوازنا– وأنت بحاجة إلى نهجٍ متوازنٍ تجاه بلد كروسيا. هذه المرحلة ليست لفرض العقوبات على روسيا مثلما يفعل الغرب".

كما لم يحظ أردوغان بتعاطف حلفائه الآخرين في الناتو بسبب إبقائه على معارضته لانضمام السويد إلى الحلف، وذلك على أساس أنّ استكهولم تغضّ الطرف باستمرار عما تصفه أنقرة بـ "إرهابيين" في منظمة كردية يعيشون في منفاهم السويدي.

وأضاف أردوغان لشبكة "CNN": "لسنا مستعدين لقبول السويد في الوقت الحالي، لأن موقف أي دولة في الناتو يجب أن يكون قويا عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب".

ونظرا لموقفه السابق المتشدد، جاءت التغييرات المفاجئة في موقف أردوغان خلال قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس صدمة كبيرة لكثير من المراقبين الغربيين، وهو الأمر الذي أثار تكهنات بأن أنقرة تسعى الآن إلى النأي بنفسها عن علاقاتها الوثيقة السابقة التي كانت تربطها بموسكو.

أحد التطورات الملموسة التي ظهرت من قمة فيلنيوس كان قرار تركيا إنهاء اعتراضها طويل الأمد على انضمام السويد إلى الحلف، الذي أفضى إلى توتر خطير في علاقات أنقرة مع بقية أعضاء الحلف.

يُنظر إلى قرار السويد بالانضمام إلى حلف الناتو، على أنه إنجاز كبير للناتو، وهو القرار الذي أنهى عقودا من السياسة الرسمية للسويد التي تمثلت في البقاء على الحياد أثناء التوترات التي كانت قائمة بين روسيا والغرب، إذ يعني ذلك أن الكتلة الإسكندنافية بأكملها ستُضم الآن إلى الحلف، وبالتالي سيتم تعزيز جناحه الشمالي ضد أي أعمال عدوانية روسية أخرى.

لم يحظ أردوغان بتعاطف حلفائه الآخرين في الناتو بسبب إبقائه على معارضته لانضمام السويد إلى الحلف، وذلك على أساس أنّ استكهولم تغضّ الطرف باستمرار عن أعضاء "إرهابيين" في منظمة كردية يعيشون في منفاهم السويدي

والآن ستمكّن أنقرة الناتو من خلال رفع اعتراضاتها على عضوية السويد من تعزيز موقفه الدفاعي ضد موسكو، وهي خطوة لن تلقى، في أغلب الظن، ترحيبا حارا من قبل الكرملين.

وفي المقابل، وافقت الولايات المتحدة على تزويد تركيا بطائرات مقاتلة من طراز "إف-16"، بالإضافة إلى المعدات وقطع الغيار الأخرى، وذلك في خطوة ستعاكس القيود التي فرضتها واشنطن سابقا على أنقرة بشأن شراء أجهزة عسكرية أميركية متطورة بعد أن أبرم أردوغان اتفاقية مع موسكو لشراء نظام صواريخ الدفاع الجوي الروسي "S-400" المضاد للطائرات، والذي صُمم خصيصا لإسقاط طائرات الناتو الحربية.

وفي حين أن هاتين النتيجتين– أي انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي واقتناء تركيا لمقاتلات أميركية– ستسببان استياء في موسكو، إلا أنهما تمثلان نهجا أكثر دقة في تعامل أردوغان مع الغرب، وهو النهج الذي أدى بالفعل إلى تحسن كبير في العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

وبعد اجتماعٍ بين بايدن وأردوغان في القمة دام ساعة واحدة، أشاد الرئيس الأميركي بالزعيم التركي وأثنى على "شجاعته وقيادته ودبلوماسيته،" بعد أن قال أردوغان إنه سيطلب من البرلمان التركي التصديق على انضمام السويد. حتى إن بايدن نشر مقطع فيديو على حسابه الرسمي في "تويتر" يثني فيه على الرجل التركي القوي.

ولكن موقف أردوغان الأكثر تعاونا مع الناتو ليس التطور الوحيد الذي تسبب في احتكاك مع موسكو. فالترحيب الحار الذي قدمه أردوغان للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي خلال زيارته الأولى لتركيا منذ الغزو الروسي لم يرضِ موسكو، ولا سيما بعد عودة زيلنسكي إلى بلاده برفقة خمسة من قادة آزوف السابقين والذين سبق وشاركوا في معركة ماريوبول، وقد تم إرسالهم إلى تركيا كجزء من صفقة تبادل الأسرى على شرط بقائهم هناك.

وقد أثار قرار تركيا بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم في أوكرانيا ردَّ فعل غاضبا من موسكو، حيث زعم المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن إطلاق سراحهم يتعارض مع "شروط الاتفاقات القائمة؛ حيث كان من المفترض بقاء هؤلاء الأشخاص على أراضي [تركيا]".

يأتي التغيير المفاجئ لموقف أردوغان تجاه موسكو بعد أن نجح في إعادة انتخابه بصعوبة في الانتخابات الرئاسية شهر مايو/أيار الماضي، إذ كان السخط الشعبي من موقف حكومته المناهض للغرب جليا.

وألقى البعض باللائمة على هذه السياسة المتوترة مع الغرب في تثبيط الاقتصاد والحد من تدفقات الاستثمار. ويأمل أردوغان بوضوح من خلال تبني موقف أكثر إيجابية تجاه الغرب، أن يتمكن من البدء في جذب الاستثمار الداخلي وإنعاش ثروات تركيا الاقتصادية.

لا ينحصر التغيير في موقف أردوغان تجاه الغرب وحسب، بل إن التغيير طرأ على السياسة التركية عموما؛ فزيارة الرئيس التركي للمملكة العربية السعودية هذا الأسبوع ولقاؤه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يمثل تغييرا كبيرا في العلاقات بين أنقرة والرياض

لا ينحصر التغيير في موقف أردوغان تجاه الغرب فحسب، بل إن التغيير يطرأ على السياسة التركية عموما؛ فزيارة الرئيس التركي للمملكة العربية السعودية هذا الأسبوع ولقاؤه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة جدة، وصورته أثناء قيادته سيارة كهربائية تركية، تمثل تغييرا كبيرا في العلاقات بين أنقرة والرياض.

ويواجه أردوغان تحديات في محاولته الحفاظ على علاقاته مع موسكو وتحسين العلاقات مع الغرب في الوقت ذاته. فيمكن اعتبار قرار روسيا بإنهاء تعاونها مع اتفاقية الحبوب في البحر الأسود، والتي تسمح للسفن بالإبحار من أوكرانيا خلال فترة الحرب، ردّ فعل مباشرا لسياسة أردوغان الهادفة لتعزيز العلاقات مع الغرب.

لقد كان دور الرئيس التركي حاسما في إقناع روسيا بالموافقة على الاتفاق الأصلي الذي رعته الأمم المتحدة، والذي يعتبر ضروريا للحفاظ على إمدادات الغذاء العالمية. وقد أدى قرار روسيا القاضي بسحب تعاونها بالفعل إلى ارتفاع كبير في أسعار الحبوب، حيث ارتفعت أسعار القمح بنسبة 3.4 في المائة، وهو الأمر الذي أثار مخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي.

وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم بالفعل حالة من عدم الاستقرار بسبب الصراع الدائر في أوكرانيا، فإن أزمة الغذاء العالمية لا يمكن إلا أن تُفاقم الأمور.

font change