تقع عُمان في الجنوب الشرقي للجزيرة العربية، وتمثل مدخلا لبحر العرب على الخليج العربي وتمتد إلى جنوب اليمن وتقترب من سواحل شرق أفريقيا. هي من الدول ذات التاريخ المثير والعريق، مرّت بحقب زمنية متنوعة لا تزال بصماتها واضحة، اجتماعيا وعمرانيا.
يعود تاريخ عُمان إلى الألفية الثامنة قبل الميلاد، وتعدّ من أقدم الدول في العالم، وهناك آثار ونقوش تنتمي إلى ذلك الزمن السحيق، تمكنت بعثات التنقيب من العثور عليها، منها أدوات صيد وفؤوس وهياكل عظمية وصور بشرية وصور حيوانات برية. كذلك تم التعرف إلى عدد من المستوطنات البشرية القديمة، منها مستوطنة الوطية في مسقط، التي أرجع علماء الآثار وجودها إلى عهود قديمة. وأكدت الاكتشافات الأثرية وجود أنشطة اقتصادية وعلاقات تجارية بين عُمان وعدد من الدول والحضارات القديمة من خلال طرق برية تربط بينها وبين بلاد ما بين النهرين. لا شك في أن موقع عُمان الجغرافي، مكّن أهلها من التعامل مع دول عدة على مدى التاريخ القديم والحديث، مثل دول وجزر شرق أفريقيا والهند وإيران والعراق.
من الاحتلال الفارسي إلى النهضة
من أهم الدراسات التي صدرت عن عمان، كتاب “تاريخ عُمان: رحلة في شبه الجزيرة العربية”، لكاتبه جيمس ريموند ولستد، الذي يمثل مرجعا مهما عن تاريخ عُمان ونشأة السلطنة. يذكر المؤلف أنه زارها في الفترة ما بين 1835 و1836 وأجرى مطالعات وأبحاثا خلال إقامته هناك. يشمل الكتاب دراسات مهمة عن واقع عُمان في القرن التاسع عشر وأوضاعها السياسية والاجتماعية.
إلا أن أبرز حقبة في تاريخ السلطنة، هي تلك التي سيطرت فيها الأمبراطورية الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد إلى حين وصول الإسلام. عندئذ، طور السكان نظاما إداريا عام 751 يتم من خلاله اختيار رجال الدين لحكم المناطق كقادة روحانيين. تمكن بنو نبهان في عام 1159 من تأسيس نظام حكم وراثي استمر حتى عام 1429.
بدأت النهضة المعاصرة في عُمان عندمـــــا تولى السلطان قابوس بن سعيد الحكم في 23 يوليو/تموز 1970. منذ ذلك التاريخ، أصبح التحضر والنهوض الاقتصادي العنوانين الرئيسيين للحكم في البلاد
في مطلع القرن السادس عشر سيطر البرتغاليون على مسقط، ليحررها الإمام سلطان بن سيف عام 1650. عندها، أصبحت عُمان بلدا مستقلا، وأبرمت معاهدة مع بريطانيا في عام 1798 بعدما تأسست السلطنة الأولى في عام 1775. اعتمد السلطان سعيد بن سلطان على الدعم البريطاني بعد توقيع المعاهدة، وتوسع في شرق أفريقيا حيث وصل الحكم العُماني إلى مومباسا ومقديشو وجزيرة زنجبار. حصلت عُمان على استقلالها من بريطانيا عام 1920 وتأكد ذلك تحت سيادة السلطان. تولى سعيد بن تيمور، وهو السلطان الثالث عشر، الحكم في عُمان في عام 1932 واستمر فيه حتى آل إلى ابنه قابوس بن سعيد في عام 1970.
بدأت النهضة المعاصرة في عُمان عندمـــــا تولى السلطان قابوس بن سعيد الحكم في 23 يوليو/تموز 1970. منذ ذلك التاريخ، أصبح التحضر والنهوض الاقتصادي العنوانين الرئيسيين للحكم في البلاد.
تبلغ مساحة عُمان نحو 310 آلاف كيلومتر مربع، وهي تجاور السعودية والإمارات واليمن ويحدها جنوبا بحر العرب وشمالا خليج عُمان. تخطى عدد سكانها 5 ملايين نسمة للمرة الأولى في التاريخ في مارس/آذار الماضي، بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، 58 في المئة منهم مواطنون عُمانيون، و42 في المئة من الوافدين.
تعدّ عُمان من دول الخليج التي يمثل فيها المواطنون نسبة أعلى من الوافدين، كما هي الحال في السعودية. لهذا الواقع الديموغرافي أهمية لدى صانعي السياسات الاقتصادية، حيث تبين خلال السنوات الماضية الاهتمام الكبير التي توليه الدولة للتنمية البشرية وتطور مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل. وقد مضى نصف القرن الماضي، مع انطلاق النهضة عام 1970، في تطوير البنية المؤسسية والتنمية البشرية وأعمال البنية التحتية لبلد مترامي الأطراف ومتنوع التضاريس.
اقتصاد مرن ومتوازن
لا يمكن تشبيه الاقتصاد العُماني باقتصادات دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت، حيث يبقى محدود الموارد، ولا تشكل فيه إيرادات النفط القيمة نفسها في تلك الدول. قدِّر معدل إنتاج النفط العماني بـ 1,06 مليون برميل يوميا في شهر فبراير/شباط الماضي. وتنتج عُمان الغاز الطبيعي الذي بلغ في الفترة نفسها 140,5 مليون متر مكعب يوميا. وعمدت الحكومة العُمانية إلى التحوط والتحفظ في تقدير إيرادات المالية العامة خلال عام 2023، حيث حددت سعر برميل النفط في الموازنة بـ 55 دولارا وإيرادات النفط بـ 5,3 مليارات ريال عُماني (13,8 مليار دولار) من الإيرادات الإجمالية البالغة 10,1 مليارات ريال عُماني (26,1 مليار دولار). أما إيرادات الغاز، فقدرت بـ 1,4 مليار ريال عُماني (3,6 مليارات دولار).
الميزانية العامة لـ #سلطنة_عمان تسجل فائضاً مالياً في العام 2022 بنحو 1.144 مليار ريال مقارنة بالعجز المقدر في الميزانية المعتمدة بنحو 1.550 مليار ريال، بحسب وكالة الأنباء العمانية
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) May 28, 2023
وهكذا تشكل إيرادات النفط والغاز 17,4 مليار دولار أو 66,7 في المئة من إيرادات الموازنة. وإذا أخذنا في الاعتبار السعر المتحفظ لبرميل النفط في الموازنة، فهناك إمكان لتحسين الإيرادات النفطية خلال هذا العام في ظل الأسعار السائدة في سوق النفط راهنا، وبالتالي، تفادي العجز المتوقع في الموازنة حيث قدر حجم الانفاق بـ 11,4 مليار ريال عُماني (29,6 مليار دولار).
"صندوق عُمان المستقبل"
يساهم في تحسين إيرادات عُمان السيادية، صندوق سيادي يخضع لإدارة هيئة الاستثمار (Oman Investment Authority)، وتقدر قيمة الإصول التي يمتلكها بنحو 41,5 مليار دولار. توظف أموال الصندوق في 40 دولة، وقدرت عائداته بما يوازي 10 في المئة من قيمة الأصول في نهاية عام 2021.
الجدير بالذكر أن السلطان هيثم بن طارق أطلق صندوقا جديدا تحت مسمى "صندوق عُمان المستقبل" برأس مال يبلغ ملياري ريال عُماني (5,2 مليارات دولار)، يهدف إلى تطوير الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص وتمويل مشاريع مجدية في مختلف قطاعات الاقتصاد العُماني لتعزيز فرص تنويع القاعدة الاقتصادية وتوافقا مع أهداف رؤية عمان 2040. يسعى هذا الصندوق الجديد إلى الاستثمار في مشاريع اقتصادية توفر فرص عمل للمواطنين وترتقي بمساهمة القطاعات الحيوية في الناتج المحلي الإجمالي، بما يؤكد جدارة الإدارة الاقتصادية في عُمان وتصميمها على توظيف الفوائض والمدخرات في قنوات الاقتصاد العماني.
ازدهار غير مسبوق
تنشط الحكومة العُمانية لإنجاز عمليات إصلاح هيكلية واسعة النطاق، حيث تعمل الإدارة الاقتصادية على تنويع القاعدة الاقتصادية وتسريع عمليات التخصيص ورفع مساهمة العمالة العُمانية في سوق العمل. من اللافت عدم اعتماد السلطنة مفاهيم ريعية في إدارتها للاقتصاد، لذلك نشط العُمانيون في مختلف القطاعات الاقتصادية وعززوا دور القطاع الخاص ورفعوا مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
حتى عام 1970، كان العديد من العُمانيين يعملون في دول الخليج الأخرى، فيما تابع عدد آخر دراسته في هذه الدول أو في دول عربية أخرى أو الهند، لكن الأمور تغيرت بعد تولي السلطان السابق قابوس بن سعيد السلطة، وعمله على تبني نمط تنموي وخطط متسقة مع الامكانات الاقتصادية المتاحة، وتعزيزه دور المواطنين في العمل الاقتصادي. بلغ الناتج المحلي الاجمالي عام 2022 نحو 115 مليار دولار ويتوقع أن يتباطأ النمو إلى 1,7 في المئة خلال عام 2023 من 4,3 في المئة في 2022، ليعود وينتعش في عام 2024 وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي. ويرتقب أن تساهم أعمال تطوير حقول الغاز في تحقيق هذا النمو، إلى جانب الجهود المبذولة لإنعاش الصناعات التحويلية والزراعة.
شهدت الصادرات العُمانية تحسنا ملموسا خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت الصادرات الســـــلعية خــــلال العــــام المنصـــــرم إلــــى 25,25 ملـــيـــــار ريال عُــــماني (65,6 مليـــــــار دولار)، أي مــــــا يوازي ارتفـــــــاعا بـ 52,4 في المئة مقارنة بعام 2021. تشمل الصادرات النفط والغاز اللذين يمثلان 65 في المئة من قيمة الصادرات في حين بلغت الصادرات غير النفطية 7,4 مليارات ريال (19,2 مليار دولار)، أو ما يعادل 29 في المئة من الصادرات الإجمالية، بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. واستحوذت عمليات إعادة التصدير على النسبة المتبقية، وتنشط هذه العمليات مع إيران والإمارات العربية المتحدة. غني عن البيان أن الموانئ البحرية ومحاذاة بحر العرب وخليج عُمان تمنح البلاد أهمية تجارية ملائمة. لكن عُمان لا تزال تستورد سلعا وبضائع بلغت قيمتها في عام 2022 ما يربو على 11,9 مليار ريال (30,9 مليار دولار). تعمل السلطنة على تحسين كفاءة الصناعات التحويلية والخدمات بهدف خفض الاستيراد من الخارج، علما أن تزايد المتطلبات الاستهلاكية في مجتمع يتكون في غالبيته من الشباب وصغار السن، يحتم التعامل بحذر مع متطلبات الاستيراد وأهمية تطوير الصناعات المحلية على نحو مُجد.
حققت سلطنة #عمان نحو 450 مليون ريال (1.169 مليار دولار) فائضاً بموازنة الربع الأول من العام الجاري، مع صعود الإيرادات 6% على أساس سنوي إلى 3.22 مليار ريال، كما زاد الإنفاق 4% إلى 2.77 مليار، حسب بيانات وزارة المالية العمانية#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/qfgORjX4c1
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) May 9, 2023
يضاف إلى ذلك، أهمية تطوير القطاع الزراعي، بما يعزز القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. يلبي قطاع الزراعة حاليا احتياجات المجتمع الاستهلاكي إلى درجة مهمة، كما أن جزءا من المنتجات الزراعية يتم تصديرها. من أبرز المنتجات الزراعية في عُمان نخيل التمر ونخيل جوز الهند وأشجار الليمون والمانغو والموز والقمح واللبان.
مجتمع فتي ومتحضر
يعتبر المجتمع العُماني مجتمعا شابا حيث يقدر العمر المتوسط (Median Age) بـ 22 عاما للعُمانيين و35 عاما للوافدين، ويتميز بكونه متحضرا حيث تبلغ نسبة سكان الحضر 80 في المئة من عدد السكان الاجمالي. ولا تزال عُمان تتمتع بمعدل خصوبة مرتفع نسبيا حيث يصل إلى 2,6 مواليد لكل امرأة في سن الخصوبة، وفقا لبيانات البنك الدولي لعام 2021.
تشكل هذه المؤشرات السكانية أهمية استراتيجية لصناع القرار في البلاد، حيث لا بد من صياغة سياسات تعليمية وتنظيم سوق العمل بشكل صارم. تشير البيانات الرسمية إلى أن هناك جهودا لتوفير 35 ألف فرصة عمل في السنة الجارية، منها 10 آلاف في القطاع العام، وتشكل الوظائف ذات الطابع الحرفي والمهني أهمية في برامج الدولة. لذلك، هناك إصرار على تطوير التعليم المهني (Vocational Education). ولا بد من الافادة من التحولات التقنية في الأنظمة التعليمية لتحديث متطلبات سوق العمل.
يهدف "صندوق عُمان المستقبل" برأس مال 5,2 مليارات دولار، إلى تطوير الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص وتمويل مشاريع في مختلف قطاعات الاقتصاد العُماني لتعزيز فرص تنويع القاعدة الاقتصادية، توافقا مع أهداف رؤية عمان 2040
لا شك في أن سلطنة عُمان بإمكاناتها المحدودة تتطلع إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة والمهنية والانسان بعدما أسست ثقافة اجتماعية واقتصادية ملائمة بعيدة عن الاتكالية والريعية. كما أن الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية وتطويع القوانين لجذب تلك الاستثمارات، سيعزز امكانات تحقيق أهداف "رؤية 2040" ويمكن من الانتقال إلى اقتصاد متوازن ومتنوع، يعتمد على كوادر عمل وطنية مؤهلة علميا ومهنيا.