تتزامن ذكرى اليوم الوطني الفرنسي في الرابع عشر من يوليو/تموز مع تراكم التحديات الداخلية والخارجية بالنسبة لبلد يعد راسخا في القدم، ويصنف بمثابة قوة نفوذ كبرى أوروبيا ودوليا.
تتزاحم الأسئلة في هذه المناسبة حول انعكاسات موجة العنف الأخيرة ومسلسل الاحتجاجات المتكررة على مصير الجمهورية الخامسة، وما إذا كنا على عتبة "ثورة" جديدة بعد 234 سنة على واقعة اقتحام الباستيل؟ أم سيقتصر الأمر على إصلاحات وتحولات في المشهدين السياسي والاجتماعي؟
وعلى صعيد مواز، تجد فرنسا نفسها في مواجهة تحديات جديدة أثارها نشوب حرب شديدة الحدة في قلب أوروبا وعلى نطاق أوسع بسبب التوترات الجيوسياسية والاقتصادية التي تتفاقم في جميع أنحاء العالم.
وإن كان من الصعب المبالغة في تقدير تأثير فرنسا على العالم، سواء في الماضي أو اليوم، فلا يزال التأثير الفرنسي موجودا من خلال تجميع عناصر القوة في السياسة والميدان العسكري والعلوم والاقتصاد، والأهم من ذلك في الثقافة، لا سيما أن فرنسا كانت من أوائل الدول التي دافعت عن حقوق الفرد. لكن كل منظومة القيم بما فيها الدفاع عن حقوق الإنسان تجد نفسها على محك امتحان غلبة المصالح المباشرة والسياسات الخاطئة، وتقهقر النموذج الفرنسي مع خطر ذوبان الاستثناء إزاء النموذج الأميركي الأنجلوساكسوني وبروز نماذج متنوعة منها النموذج الصيني حول العالم.
أدى مقتل الفتى نائل في ضاحية باريسية، مساء السابع والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، على يد أحد رجال الشرطة، في ظروف مثيرة للجدل، إلى اندلاع موجة شغب لا سابق لها؛ إذ اضطربت فرنسا طوال خمس ليال، وخرجت ثلاثون مظاهرة ضد الشرطة في عدة مدن، وحسب إحصاءات متداولة يقدر عدد المحتجين و"الداخلين على الخط" بآلاف الأشخاص، وتضرر 273 مقراً أو مبنى لقوات الأمن و168 مدرسة. وألقي القبض على ثلاثة آلاف شخص على خلفية المظاهرات. وقُدرت الخسائر الاقتصادية من المظاهرات بمليار يورو، وحددت شركات التأمين التعويضات المستحقة بحوالي 650 مليون يورو.
والادهى من كل ذلك، تم ضرب صورة فرنسا وهيبة الدولة فيها وتماسك نسيجها التعددي واحتمالات استفادة قوى التشدد يميناً ويساراً من هذه الأزمة المركبة، ونجاح طروحات الانكفاء نحو الهويات الجزئية الثقافية أو الدينية. لذا لا بد من استخلاص دروس من أزمة متعددة الأبعاد: أمنية واجتماعية وسياسية وتربوية.