عندما غادر عبد الرحمن باشا اليوسف قصره العامر في منطقة سوق ساروجا، يوم 21 أغسطس/آب 1920، متجها إلى سهل حوران مع رئيس الحكومة علاء الدين الدروبي، لم يخطر في باله أنه لن يعود إليه أبدا.
كانت هذه هي الرحلة الأخيرة للباشا، الذي كان أميرا لمحمل الحج الشامي في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، يقوده سنويا من دمشق إلى مكة منذ تسعينيات القرن التاسع عشر.
عرف الباشا الكثير من المخاطر في أسفاره، من هجمات قاطعي الطريق والذئاب مرورا بالجفاف والعطش، ولكن هذه الرحلة كانت هي الأخطر... توجه إلى حوران لإقناع الأهالي بضرورة عدم الدخول في مواجهة مع السلطات الفرنسية التي احتلت دمشق قبل أسابيع، ودفع الغرامة المالية التي فرضها الجنرال هنري غورو، مندوب فرنسا السامي في سوريا ولبنان. كان الباشا يملك أراضي زراعية شاسعة في سهل حوران، يُديرها وكيله الوجيه الكبير أحمد مريود، وهو من زعماء الجولان، وقال إنه "يمون" على الأهالي ويمكنه التحدث معهم بلغة العقل، مصطحبا معه الشيخ عبد الجليل الدرة، أحد المدرسين القدامى في مدينة درعا.
وعندما وصل الوفد الحكومي إلى محطة خربة غزالة، لاحظ أحد الجنود السنغال المرافقين للباشا ورئيس الحكومة أن بعض الناس كانوا يحملون في أياديهم بنادق. كان هؤلاء الجنود الأفارقة حديثي العهد في سوريا، لا يعرفون شيئا عن أهلها وعاداتهم، وقد جرّتهم فرنسا من مستعمراتها الأفريقية ظنا أنهم كمسلمين، يمكنهم التفاهم مع أهالي سوريا. تخوف الجندي السنغالي من مشهد السلاح في يد الأهالي وقام بإطلاق النار على الواقفين على مدرج المحطة، فرد الحورانيون النار وحدثت فوضى عارمة. نهض الباشا من مقعده وسمع يقول: "هاتوا المشايخ لنتفاهم!"، وبعدها نزل إلى المحطة بنفسه وتوجه إلى الطابق العلوي للاتصال بدمشق وطلب تعزيزات عسكرية، ولكن الثائرين اعترضوه وقتلوه. وكذلك فعلوا مع رئيس الحكومة، أمّا وزير الداخلية عطا الأيوبي، فقد نجا من الموت بأعجوبة، عندما تعرف إليه تاجر دمشقي من حيّ الميدان وقام بنقله إلى مكان آمن.