لندن: يسلط معرض فني في "كامدن آرت سنتر" بلندن الضوء على علاقة الإنسان بالبيئة والحاضنة الاجتماعية والثقافية والسياسية من خلال أعمال الفنان الأميركي من أصول صينية مارتن وونغ (1945 ــ 1999). من طريق روايات متشعّبة عن الصدام بين المجتمعات الهامشية والغزو المديني في مدينة جبارة مثل نيويورك، التقط وونغ صوته الثقافي المعارض للمؤسسة الفنية التي تبنت خطابا رجعيا في تعاملها مع ثقافات الجماعات التي ظلّ النظر إليها مقتصرا على نتاجها الفني التقليدي بما ينسجم مع رؤية غير عادلة تقوم على أن كل ما يقدّمه الآخر لا ينتمي إلى الفن الحديث بل هو عبارة عن صناعات فولكلورية.
عمل وونغ على اختصار المسافات اللغوية والجغرافية بين الأقوام التي تعيش في الهامش، أسفل المدينة الذي صار موقعا فنيا وليس جغرافيا فقط. مزج بين الأطراف ليصنع طريقة في النظر إلى المدينة وقد تغيرت صورتها. أخذ من الأيقونات الصينية ومن الكتابة على الجدران ومن لغة الإشارة وأخيرا من وقائع شخصية غير مؤكدة، ما أعانه على خلق فكرة عن فترة من التاريخ الأميركي، ولم يكن ليجرؤ على تقديم فكرته تلك لولا أنه انخرط في الأوساط الأميركية المتحدّثة بالإسبانية. كانت تلك خلفية مهمة لظهور فن متصل بمحيطه، نافر من التعاليم الجمالية التي تبشر بها المدارس والصالات والمتاحف.
تربى وونغ ونشأ في بيئة شعبية، رأى من خلالها الحدود ماثلة أمامه ولم يكن من اليسير بالنسبة إليه أن ينتقل إلى العرض في صالات "سوهو". فالجدار قائم، وهو ما رسمه بطريقة توضيحية ساخرة. لم يكن في حالته يتوقع أن تأخذ لوحاته طريقها إلى مجموعات متاحف "متروبوليتان" و"موما" و"وتني" و"سان فرنسيسكو" و"معهد شيكاغو للفنون". حدث ذلك قبل وفاته المبكرة بمرض نقص المناعة بوقت قصير. لم تتأخّر عليه الشهرة غير أنه غادرها قبل أن يمشي بقدميه إلى القاعات التي صارت تتسابق إلى اقتناء أعماله.
ما بين أواخر ستينات القرن العشرين وبدايات سبعيناته عاش وونغ متنقلا بين الحي الصيني حيث يقيم أبناء جلدته و"إيست فليدج" حيث تنفتح نيويورك على مشهد فني تميز بتجدّد الخطاب حول الصراع الطبقي والتمييز العرقي. كانت نيويورك وفي الأخص مانهاتن ترفض المضي في تعاليها من غير النظر إلى ما يحدث أسفلها. ذلك حرصٌ تعلمته الرأسمالية من أجل أن تجدّد حيويتها. ثقة لا يمكن تخيل أن الفنانين المتمرّدين يعملون على ترميمها. نوع ماكر من الخبرة لم يكن فنان من نوع وونغ على دراية به.