قمة "الناتو"... إشارات واضحة لأوكرانيا وتركياhttps://www.majalla.com/node/295501/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88-%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D8%B6%D8%AD%D8%A9-%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7
استضافت فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، قمة الناتو يومي 11-12 يوليو/ تموز، بحضور قادة جميع دول الناتو، إضافة إلى رؤساء دول من خارج الحلف، مثل أوكرانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا واليابان، كشركاء تعاون مع الحلف.
وكانت الحرب في أوكرانيا أهم بند على جدول أعمال القمة. ولم تتمكن روسيا من تحقيق خططها بالسيطرة على أوكرانيا في غضون أيام وما زالت الحرب متواصلة مع تواصل مع ما تلحقه من خسائر.
يقف الناتو بقوة إلى جانب أوكرانيا في مواجهة الاتحاد الروسي، وهو ما أعاد بيان القمة التأكيد عليه مجددا بوصفه "التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية."
ويواصل الناتو كحلف، ودوله على نحو فردي، تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا، وذلك لمساعدة أوكرانيا في جهودها لصد الغزاة. بل يدور الحديث عن قيام الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية.
كان الرئيس زيلنسكي قد وقع على طلب أوكرانيا الرسمي للانضمام إلى الحلف، وأقر الناتو بذلك لكنه لم يرسل لها دعوة رسمية. فعضوية أوكرانيا، بينما يتواصل القتال، ستفرض على الناتو أن يتدخل بموجب المادة 5 من معاهدة واشنطن.
يقف الناتو بقوة إلى جانب أوكرانيا في مواجهة الاتحاد الروسي، وهو ما أعاد بيان القمة التأكيد عليه مجددا بوصفه "التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية"
بدلا من ذلك، شيدت الدبلوماسية الإبداعية أسسا للعلاقة مع أوكرانيا، حتى بدون انضمامها الرسمي للحلف. فقد وافق قادة الناتو على انضمام أوكرانيا إلى الحلف "عندما يتفق الحلفاء وتستوفى الشروط" ووافقوا على جعل أوكرانيا أقرب ما يمكن من الحلف، حتى قبل أن تنضم إليه فعليا.
وهذا يعني:
- إعادة التأكيد على ضمان مكان أوكرانيا المستقبلي في الحلف.
- تلقت أوكرانيا المزيد من التعهدات بدعمها.
- سيكون لأوكرانيا مسار سريع، يتجاوز خطة العمل التي تتطلبها العضوية.
- إنشاء مجلس يضم الناتو وأوكرانيا، يكون فيه كل من الحلف وأوكرانيا عضوين متساويين.
ومع أن ستولتنبرغ قال في فيلنيوس إن الناتو نقل "رسالة قوية وموحدة من الحلفاء بشأن طريق أوكرانيا إلى عضوية الناتو"، إلا أن الرئيس فولوديمير زيلنسكي لم يكن راضيا وانتقد الناتو لأنه لم يضع جدولا زمنياً لانضمامها.
غير أن دول مجموعة السبع، وجميع أعضاء الناتو البارزين بالإضافة إلى اليابان، توصلوا إلى مجموعة من الضمانات الأمنية لأوكرانيا، كمكافأة إضافية لها.
ولم تبدِ روسيا أي رد حتى الآن، باستثناء أن المتحدث باسم الكرملين قال إنهم يتتبعون اجتماع قمة الناتو، التي تعامل روسيا كعدو، عن كثب. ولطالما رأت روسيا في توسع الناتو شرقاً تهديدا مباشراً لها وأعلنت أن انضمام أوكرانيا للناتو من خطوطها الحمر. وقد أشارت إلى أن هذه القضية أحد الأسباب الرئيسة للوضع الحالي في أوكرانيا.
من جهة أخرى، كانت قمة فيلنيوس أول قمة تشارك فيها فنلندا كأحدث عضو. ومع انضمام فنلندا، بات للناتو الآن 1340 كيلومترا إضافياً من الحدود المشتركة مع روسيا.
وفيما يخصّ السويد، أقر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل عدة أيام من القمة، بأن السويد قد اتخذت بعض الخطوات في الاتجاه الصحيح، مثل تغيير قوانين مكافحة الإرهاب، لكنها لم تكن قد بلغت النقطة التي ترحب بها تركيا في الحلف. ثم جاءت حادثة حرق القرآن في ستوكهولم فجعلت الأمور أكثر صعوبة على مشروع عضوية السويد.
كانت قمة فيلنيوس أول قمة تشارك فيها فنلندا كأحدث عضو. ومع انضمام فنلندا، بات للناتو الآن 1340 كيلومترا إضافياً من الحدود المشتركة مع روسيا
وقد صرح أردوغان، قبيل سفره إلى فيلنيوس، في مؤتمره الصحفي التقليدي في المطار قائلاً: "أناشد الدول التي أبقت تركيا تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي أكثر من 50 عاما: مهدوا طريق تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي، وبعدها سنمهد طريق السويد لعضوية الناتو، تماماً كما مهدنا الطريق لفنلندا." وهكذا اكتسبت قضية عضوية السويد بعدا جديدا.
ولكن الأمين العام لحلف الناتو التقى برئيس تركيا ورئيس وزراء السويد قبل يوم واحد من القمة في فيلنيوس، وعلى الرغم من كل السلبيات، توصل الثلاثة الى اتفاق مفاجئ. وأعلن الأمين العام أن تركيا تخلت عن اعتراضها. كما صرح وزير خارجية المجر أن "استكمال عملية التصديق ليست سوى مسألة فنية". هذا يعني أن بلاده قد تخلت هي أيضا عن اعتراضاتها على عضوية السويد. وسوف تقدم الحكومة التركية، كخطوة لاحقة، بروتوكول انضمام السويد إلى البرلمان للموافقة عليه.
يبدو أن عضوية السويد في الناتو وعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي وشراء تركيا طائرات مقاتلة جديدة من طراز F16 وقطع غيار حديثة من الولايات المتحدة الأميركية، قد غدت كلها نوعاً من حزمة واحدة.
ويبدو كما لو أن هناك تفاهماً بأن التقدم في كل هذه القضايا سوف يتحرك على نحو متوازٍ. فالعديد من التصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تركت لدى الأتراك انطباعاً بأن الكونغرس الأميركي قد يكون أكثر ميلاً لإعطاء الضوء الأخضر لبيع طائرات F16 لتركيا، وأن الاتحاد الأوروبي قد يكون على استعداد لبدء مناقشة قضايا مثل تحرير التأشيرات وتحديث الاتحاد الجمركي مع تركيا.
ولولا حل مشكلة عضوية السويد أو وضعها في مسار الحل، لشهدت علاقات تركيا مع الغرب مزيداً من التدهور. وهو أمر ما كانت تركيا، التي تكافح من أجل تحسين اقتصادها، راغبة بحدوثه.
يمكن أيضا رؤية الاجتماع السلس والمنفتح على المستقبل بين الرئيسين أردوغان وبايدن على هامش القمة في هذا السياق.
نجاح ديبلوماسي لتركيا
تُعد قمة فيلنيوس على العموم نجاحا دبلوماسيا لتركيا، وقد قدمت دبلوماسية أردوغان في قمة فيلنيوس وما أسفر عنها من نتائج، حتى الآن على الأقل، مادة جيدة لممثلي الدعاية كي يستخدموها كدليل آخر على سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها أردوغان في العلاقات الدولية والدبلوماسية.
أما كم ستستمر العملية البرلمانية للمصادقة على الاتفاق في أنقرة، وهل ستلبي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توقعات الأتراك، وإلى أي حد، فهي أمور ليست واضحة حتى الآن.
لا بد أن التطورات السلبية الأخيرة بين تركيا وروسيا قد ولدت أيضا انطباعاً إيجابيا لدى الغرب عن تركيا. وزيارة الرئيس زيلنسكي لتركيا وتصريحات أردوغان عن الدعم القوي لأوكرانيا وعودة قادة آزوف إلى وطنهم، قد تكون جميعها وراء إلغاء زيارة بوتين المرتقبة إلى تركيا.
وإذا أخذنا بيان قمة فيلنيوس بالحسبان، يمكننا أن نرى بوضوح التحديات المتنوعة ومجموعة القضايا التي يواجهها الناتو.
يحتاج حلف الناتو إلى موارد مالية كافية للوفاء بالتزاماته، إلا أن دول الناتو تواجه أيضاً تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية ومصاعبها. ومع ذلك التزم قادة الناتو باستثمار ما لا يقل عن 2٪ من إجمالي الناتج المحلي سنويا في الشؤون الدفاعية. ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان جميع الأعضاء سينفذون هذا التعهد بالكامل.
على الرغم من المخاوف العديدة إزاء الصين، بما في ذلك "طموحاتها وسياساتها القسرية التي تتحدى مصالح الناتو وأمنه وقيمه" و "علاقاتها مع روسيا"، فإن إعلان قادة الناتو للبقاء منفتحين على المشاركة البناءة مع الصين، جدير بالملاحظة.
على أن أوكرانيا ليست بأي حال التحدي الوحيد الذي يهدد السلام والأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية. فأعمال الشغب في فرنسا والصراعات الداخلية كتمرد فاغنر في روسيا وغرق القوارب وموت اللاجئين بالمئات وتصاعد التطرف على جميع الجبهات، كلها أمور تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام أيضا. ويمكن القول، من منظور أوسع للأمن، إن هذه المشكلات وغيرها من المشكلات الأخرى وثيقة الصلة أيضا بأهداف الناتو ومهامه.