تنعش حرارة الصيف حركة السياحة والسفر والترفيه في المغرب، وترفع أسعار العقارات البحرية ومعها خدمات الإيجارات الفصلية، لكنها في المقابل تُجهد القطاع الزراعي وتعمق صعوبات الأرياف بسبب ندرة الموارد المائية، كما تشجع الهجرة نحو المدن الساحلية طلبا للعمل والرزق مع كل تداعياتها الاجتماعية والبيئية.
منذ بداية السنة، استقبل المغرب أكثر من مليون سائح شهريا، معظمهم من الاتحاد الأوروبي القريب. زادت الوتيرة مع فصل الصيف ونشاط حركة النقل الكثيفة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، حيث يختلط السياح الأوروبيون مع مغاربة العالم المهاجرين مما ينعش قطاع السفر والترفيه وحركة الفنادق والمطاعم التي استعادت نحو 90 في المئة من نشاطها ما قبل جائحة كوفيد-19.
وتتوقع وزارة السياحة دخلا يتجاوز 12 مليار دولار في نهاية 2023 الذي تقول انه "امتحان حقيقي لقدرة السياحة المغربية على استمرار ترتيبها كثاني أكبر وجهة في جنوب وشرق المتوسط بعد تركيا". وتخدم التظاهرات الثقافية والرياضية الدولية، السياحة بما فيها الاجتماعات السنوية المرتقبة لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي ستستضيفها مراكش مطلع الخريف المقبل بمشاركة نحو 190 وزيرا للمال ومحافظا للبنوك المركزية في العالم. وبلغت عائدات السياحة نحو 10 مليارات دولار من استقبال 11 مليون زائر غير مقيم في العام المنصرم.
ضخت السياحة وتحويلات المغاربة من مختلف دول العالم نحو 20 مليار دولار في الخزينة العام الماضي، مما عزز الاحتياط النقدي، وساعد على تحمل عجز ميزان المدفوعات الخارجية (5 في المئة) وحافظ على قيمة العملة المحلية (الدرهم) أمام اليورو والدولار. وهذا ما اعُتبر مُنقذاً للاقتصاد من التداعيات السلبية العالمية والمناخية.
لكن الجفاف وشح الأمطار قد يُفسد انتعاش السياحة ويرفع حجم الخسائر الزراعية بمعدلات قياسية تقارب أرباح السفر والسياحة معا. وهي معادلة تتحكم فيها التغيرات المناخية والحرب الأوكرانية وقبلها الجائحة.
قبل ثلاث سنوات كانت السماء كريمة بالأمطار، وتجاوز إنتاج الحبوب الرئيسة عشرة ملايين طن، في وقت كان العالم يرزح تحت إغلاق الحدود بسبب الوباء الذي أضر بالسياحة والسفر، مما تسبب بتسريح الآف العاملين. الوضع اختلف منذ صيف 2022 بعد إعادة فتح الأجواء، لكن المعادلة تغيرت هذه المرة، إذ جاء السياح وغاب المطر، حيث انتقل بعض المساعدين الزراعيين إلى المدن السياحية ليصبحوا مساعدين سياحيين في خدمات المطاعم والحراسة والأنشطة الصيفية الأخرى. فالطقس غيّر المكان وحتى المهن سعيا وراء رزق تطارده التغيرات المناخية.