ذكرت صحيفة الـ"فايننشال تايمز" أن وزير الخارجية النمسوي، ألكسندر شالنبرغ، امتنع عن حضور المؤتمر الثامن لمنظمة "أوبك" في فيينا الأسبوع الماضي، بعد قرار المنظمة منع بعض الوكالات الإعلامية من الحضور، حيث كان من المقرر أن يتحدث شالنبرغ في هذا المؤتمر العالمي الذي يجمع المنتجين والمستهلكين، ويعتبر أحد أهم الأحداث الرئيسية على جدول أعمال الطاقة العالمية.
وكانت وكالة "رويترز" ذكرت أن المنظمة منعت صحافيين من "رويترز" و "بلومبرغ" و "وول ستريت جورنال" من حضور المؤتمر، وأن المنظمة رفضت التعليق على سبب عدم دعوة الصحافيين من هذه الوكالات الثلاث. إلا أن مكتب شالنبرغ قال إن قراره بعدم الحضور يرجع إلى مسائل تتعلق بـ "جدول الأعمال"، وأكد على دور حرية الصحافة. فقد صرح متحدث باسم شالنبرغ أن وزارته لم تبلغ "أوبك" قط بأنه سيحضر وإن اسمه أضيف إلى جدول الحدث عن طريق الخطأ. ونقل المتحدث على لسان وزير الخارجية أن "حرية وسائل الإعلام" بما في ذلك "تغطية التطورات السياسية" هي "حجر الزاوية في أي مجتمع ديموقراطي"، كما ورد في الـ"فاينانشيال تايمز".
تعود أهمية النسخة الثامنة من المؤتمر الذي عقد تحت عنوان "نحو انتقال مستدام وشامل للطاقة"، إلى كونها الأولى بعد جائحة كوفيد-19، وكان حضور الحكومة النمسوية أمرا مسلما به في جميع مؤتمرات منظمة "أوبك" السابقة، أو في غالبيتها.
كنت في مقالة سابقة نشرتها "المجلة" بعنوان "تموضع "أوبك" الدفاعي لم يعد مقبولا" قد أشرتُ إلى قرار منظمة "أوبك" حظر دخول المجموعة الإعلامية المذكورة مقر المنظمة في فيينا، ومنعها من حضور اجتماع تحالف منتجي "أوبك بلس"، وأن القرار لم يكن وليد اللحظة أو جاء من فراغ، بل كان نتيجة تراكمات تاريخية لهذه الأسماء الإعلامية "الرنانة" من الترصد والارهاصات والاسقاطات على تحالف منتجي "أوبك بلس"، مدى سبع سنوات متتالية.
علامات استفهام كبيرة، خصوصا في ظل عدم تدخل الحكومة النمسوية بتاتاً في المنظمات الدولية الأخرى التي تتخذ العاصمة "فيينا" مقراً لها
الحقيقة أن "أوبك" لم تمنع أيا من وسائل الإعلام المذكورة من حضور المؤتمر الثامن للمنظمة، إلا أنها أيضا لم توجه الدعوة اليها ليكون ممثلوها شركاء إعلاميين رسميين، كما فعلت مع بعض وكالات الإعلام لتغطية أحداث المؤتمر الرئيسة المتعلقة باستدامة الطاقة والأمن والاستثمارات والابتكارات. يحتمل أن تكون هذه الوسائل الإعلامية تستخدم منع حضور الاجتماع السابق لتحالف "أوبك بلاس" كذريعة لعدم تغطية المؤتمر، انطلاقا من عدم دعوتها إلى المشاركة أسوة بوسائل إعلامية أخرى.
على الرغم من أن الإشارة لم تكن صريحة وواضحة من مكتب وزير الخارجية النمسوي، إلا أن فحواها يمكن أن يُفهم بأنه قد يكون سياسيا. فهل من المعقول أن يرتكب الوزير خطأ عدم حضور المؤتمر الدوري في بلاده، أم أن قرار عدم حضوره كان تصرفا شخصيا فقط، يمكن تأويله، في البروتوكول السياسي والديبلوماسي، على أنه احتمال لتوجه جديد للحكومة النمسوية؟
يثير ذلك علامات استفهام كبيرة، خصوصا في ظل عدم تدخل الحكومة بتاتاً في المنظمات الدولية الأخرى التي تتخذ العاصمة النمسوية فيينا مقراً لها، ومن بين هذه المنظمات: منظمة الدول المصدرة للبترول (OPEC)، الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC).
تعتبر فيينا من أهم مدن العالم التي تستضيف المنظمات الدولية، وتلعب هذه المنظمات دورا مهما في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق الأهداف العالمية المشتركة، ولا يمكن تحديد عددها بدقة فهو عرضة للتغيير مع مرور الوقت، بسبب احتمال ظهور منظمات دولية جديدة في فيينا في المستقبل، أو بسبب انتقال بعض المنظمات إلى مواقع أخرى لعوامل عدة، مثل التغيرات في السياسة الدولية والاقتصادية والأمنية، أو الحاجة إلى وجود مقر أكثر فاعلية لتحقيق أهداف المنظمة، ومن بين هذه المنظمات الأخيرة:
- الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، التي افتتحت مقرها الجديد في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، في عام 2015.
- المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، التي كان مقرها في فيينا منذ عام 1952، لكنها قررت نقل مقرها الرئيسي إلى جنيف، سويسرا، في عام 2011.
- الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، الذي كان مقره في فيينا من عام 1973 الى عام 1996، عندما تم نقل مقره إلى جنيف.
هل تعطي الحكومة النمسوية إشارة لمنظمة "أوبك" بأنها غير مرحب بوجودها في فيينا؟
لا شك أن في امتناع وزير الخارجية النمسوي عن حضور المؤتمر الثامن لـ"أوبك" إشارة مهمة للمنظمة التي تعيش مرحلة تجديد، تحتاج فيها إلى فكر جديد وهيكلة جديدة وتعاط إعلامي جديد، وهذا ربما يفتح باب الأخذ في الاعتبار نقل موقعها من فيينا، خصوصا أنها انطلقت من جنيف في بداية تأسيسها عام 1960 حيث استقرت هناك لمدة خمس سنوات. فهل ستتم مناقشة نقل مقر المنظمة قريبا خارج النمسا أو حتى خارج القارة العجوز المشيطنة للنفط؟
هنا، تطرح أسئلة مثيرة للجدال:
- هل سبق أن تدخلت حكومة النمسا في الإرهاصات الإعلامية المتداولة ضد أي من المنظمات الدولية الأخرى في فيينا؟
- هل هناك دافع سياسي خلف امتناع الحكومة النمسوية عن حضور المؤتمر غير حظر بعض وسائل الإعلام خصوصا بعد دخول الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الثاني؟
- هل تعمد الحكومة النمسوية إلى إعطاء إشارة إلى منظمة "أوبك" بأنه غير مرحب بوجودها في فيينا؟
- هل ستتم دراسة عواقب النهج السياسي للحكومة النمسوية تجاه المنظمة؟
انطلقت "أوبك" من جنيف في بداية تأسيسها عام 1960 حيث استقرت هناك لمدة خمس سنوات. فهل ستناقش مسألة نقل مقر المنظمة قريبا الى خارج النمسا أو حتى خارج القارة العجوز المشيطنة للنفط؟
قد تكون سكرتاريا منظمة "أوبك" حجبت الدعوة عن مشاركة بعض وسائل الإعلام، إلا أنها لم تمنعها من الحضور. لذا، قد يكون الغرض الرئيسي مما أثير حول هذه الوسائل الإعلامية يهدف إلى تشويه صورة المنظمة، كما يدين في المقابل تلك الوسائل الاعلامية، ويبرر تاليا موقف منظمة "أوبك" وقرارها منع هذه الوسائل من حضور اجتماعها الأخير.
يبقى السؤال المحوري: هل استخدمت الحكومية النمسوية ذلك كذريعة لعدم حضور المؤتمر؟ أم ان الدافع السياسي كان هو الأساس؟