لطالما كان قرار مساعدة الهند تلقائياً بالنسبة لواشنطن، فعندما وقعت الاشتباكات على طول الحدود الصينية الهندية بين جيشي البلدين في عام 2020، زودت واشنطن نيودلهي بالمعدات التي تحتاجها بالإضافة إلى معلومات استخباراتية بشأن المواقع الصينية. كما قامت بتسريع عمليات تسليم طائرات المراقبة دون طيار. ومنذ ذلك الحين، خلص المسؤولون الأميركيون إلى إمكانية إجراء مناقشات صريحة مع قادة الهند حول التعاون الدفاعي سواء في البر أو البحر أكثر مما كانت عليه في الماضي. يعتقد الأميركيون أن التهديد القادم من الصين، إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا، يقدمان لواشنطن فرصة لا تتكرر لحمل نيودلهي بشكل حاسم على استبدال اعتمادها الكبير على المعدات العسكرية الروسية الصنع بمنظومات أميركية. كذلك فإنّ وحدة المخاطر التي تمثلها الصين للدولتين ستؤدي إلى مزيد من الاندفاع نحو التعاون على المستوى التكنولوجي لا سيما تطوير البنية التحتية للمعلومات والاتصالات وذلك للمنافسة في صناعة عالمية أضحت بكين تشكل خطراً في السيطرة عليها.
نيودلهي ودون أدنى شك هي شريك لا يقدّر بثمن لواشنطن، فبالإضافة لكونها الدولة الأكثر سكاناً في العالم، وصاحبة خامس أكبر اقتصاد وثاني أكبر جيش في العالم وكادرات هامة من العلماء والمهندسين ذوي التعليم العالي، ولديها ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، فهي شريكة الولايات المتحدة في قلقها العميق حيال الصين. الدولتان تعتبران الصين قوة خطرة عازمة على تحدي وتغيير النظام الإقليمي والعالمي. يفضي كل ذلك إلى اعتبار المرحلة الراهنة هي الأكثر إلحاحاً للتعاون بين الولايات المتحدة والهند.
أين أصبحت العلاقات الأميركية الهندية الآن؟
يمكن القول إن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى، فالخلافات الحادة أضحت تُناقش الآن بصراحة كبيرة بين المسؤولين من كلا الجانبين، وقد أصبح لهذه العلاقة هياكلها ونقاط اتصال متعددة. تشمل الحوارات الاستراتيجية التي تشارك فيها الولايات المتحدة والهند "الرباعي" (the Quad مع اليابان وأستراليا)، وI2U2 (مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة)، والحوار (2+2) الذي يضم وزراء الدفاع والخارجية، ومجموعة سياسة الدفاع (Defence Policy Group DPG) ، ومبادرة مستشار الأمن القومي (NSA) بشأن التقنيات الهامة والناشئة (ICET - Initiative on critical and emerging technologies) . كما يوجد لدى البلدين منتدى للسياسات التجارية، وحوار تجاري، وشراكة اقتصادية ومالية، وحوار تجاري استراتيجي، ومنتدى للمديرين التنفيذيين. وقد تم توسيع جدول الأعمال بشكل أكبر من خلال المناقشات على مستوى مجلس الوزراء بما يشمل شراكة استراتيجية في الطاقة النظيفة وحوار التعليم العالي، وتشارك الهند أيضاً في ثلاث من الركائز الأربع للإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF- The Indo-Pacific Economic Framework ).
أما التقارب الأكثر دراماتيكية في السنوات الأخيرة بين الدولتين فكان حول القضايا الاستراتيجية، حيث أصبحت الفكرة القائلة بأن الهند والولايات المتحدة يمكنهما العمل بشكل وثيق مع شريك ثالث وفي مناطق ثالثة الآن حقيقة واقعة، وأداتها الرئيسة في منطقة المحيطين الهندي والهادي هي الرباعية (The Quad) التي تعمل في ميدان التقنيات الحرجة والناشئة والمجال البحري والبنية التحتية، والصحة والأمن السيبراني والفضاء والطاقة النظيفة. كما تواصل دول الرباعية، بما في ذلك اليابان وأستراليا، تبادل وجهات النظر حول التطورات الاستراتيجية والعمل معاً بأشكال مختلفة للتعاون الأمني. لقد أصبح التنسيق بشأن الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادي بين الحكومتين الآن واسعاً ومنتظماً، كما يعنى (I2U2) الذي تشارك فيه إسرائيل والإمارات والهند والولايات المتحدة، مشاريع محددة بشأن الأمن الغذائي والطاقة النظيفة.
أما فيما يتعلق بالأمن الثنائي، فقد زادت المشاركات العسكرية- بما في ذلك محادثات الأركان، والتبادلات والتدريبات العسكرية– من قدرة الجيشين على العمل معاً وبناء قواعد التعاون. وقد تم توقيع اتفاقيات التمكين لتسهيل اللوجستيات والاتصالات الآمنة، إلى جانب بعض البروتوكولات الأساسية الأخرى. كما كان التعاون البحري واعداً بشكل خاص، بما في ذلك مبادرة الشراكة الجديدة بين المحيطين الهندي والهادي للتوعية بالمجال البحري (IP-MDA) التي تتضمن تبادل بيانات الترددات الراديوية على مستوى المنطقة لتأمين البحار بشكل أفضل
(Indo-Pacific Partnership for Maritime Domain Awareness).
أما من الناحية الاستراتيجية ، فتعمل الهند والولايات المتحدة على تحسين التنسيق في عدد من المناطق الجغرافية والمؤسسات في غرب آسيا (الشرق الأوسط) وأفريقيا. هذا وقد نمت مبيعات وإمدادات الدفاع الأميركية للهند وزاد الإنتاج المشترك، حيث تقوم معظم شركات الدفاع الكبيرة حالياً بتوفير المنتجات أو الخدمات من الموردين الهنود. وتمثل الطاقة النظيفة والتقنيات المرتبطة بها مجال تعاون واعد، إذ تستثمر الشركات الأميركية في قطاع الطاقة المتجددة الطموح- وإن لم يكن بأحجام مثالية بعد– ومن ضمنها الهيدروجين الأخضر، كما تنتج هذه الشركات أيضاً أجهزة التحليل الكهربائي. كذلك فإنّ التنسيق بشأن المعادن الهامة- خاصة الليثيوم والغرافيت والكوبالت– هو قيد التنفيذ بالفعل، كما يقوم البلدان بالتنسيق في تقديم خدمات المعلومات المناخية.
إلى جانب الطاقة النظيفة، تتحرك الشراكة التكنولوجية الأوسع أيضاً في اتجاه إيجابي. ويشمل ذلك التنسيق بشأن اتصالات الجيل الخامس، والتعاون الناشئ في تحديد نقاط الضعف والتقدم الواعد في تقنيات الفضاء، وتطوير الشبكات بين المستثمرين، والتعاون في سلاسل التوريد، وتمويل مكافحة الإرهاب، والتهرّب الضريبي، كما تمت معالجة الاختلافات حول حوكمة البيانات إلى حد كبير. وبالرغم مما بلغته العلاقات التجارية من قوة مع وجود كبير للشركات الهندية والأميركية في البلدين لا يزال هناك الكثير من الإمكانات غير المستكشفة.
ميادين الاختلاف الرئيسة
لا تزال الخلافات الاستراتيجية قائمة بين واشنطن ونيودلهي فيما يتعلق بروسيا وباكستان وبنغلاديش، على الرغم من مناقشتها علناً في المنتديات الثنائية. إذ لا تزال الهند ترى الحاجة إلى مشاركة روسيا في مجالات الدفاع التقليدي والطاقة والأمن الغذائي والتقنيات الحيوية مثل الطاقة النووية والفضاء، فضلاً عن الأولويات الاستراتيجية الأكبر في أوراسيا.
من ناحية أخرى، تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات طويلة الأمد مع صناع القرار في باكستان، على الرغم من الاضطرابات السياسية والاقتصادية المستمرة هناك، وهناك محاولات أميركية أحيانا لإحياء الشراكة مع باكستان رغم تضاؤل مستويات الثقة والأهمية. أما فيما يتعلق ببنغلاديش، فإن الولايات المتحدة تؤكد على تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية والترابطية مع الحكومة الحالية.
من جهة أخرى هناك اختلافات وتباينات في المفاهيم حول المعايير الديمقراطية على الرغم من مشاركة الهند في القمّة العالمية للديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة وتعاون البلدين لتعزيز المؤسسات الديمقراطية في دول ومناطق ثالثة. وتتجلى هذه الاختلافات بشكل أكثر وضوحاً في المسائل المتعلقة بالحرية الدينية التي ترفضها الحكومة الهندية وتعتبرها تدخلاً غير ضروري وتشير من خلالها إلى عيوب في الديمقراطية الأميركية، هذا وتستمر الاختلافات الحادة في المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف، والتي غالباً ما تتخذ مساراً عدائياً مقارنة بالمناقشات التجارية الثنائية.
التعاون الأميركي مع الهند: الحدود والمحاذير
يستهدف التعاون مع الهند بالنسبة للمسؤولين الأميركيين مواجهة التهديدات المباشرة التي تشكلها الصين، وقد أجرت الولايات المتحدة تدريبات عسكرية مشتركة مع الهند بالقرب من الحدود الصينية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. من المنطقي لواشنطن أن تعقد اتفاقات تمكنها من الاستفادة من الموانئ البحرية الهندية لقاء خدمات استخبارية أو تقنية. لكن الذهاب إلى الموافقة على اقتراح قدمته شركة "جنرال إلكتريك" مثلاً في وقت سابق من هذا العام للإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا الأميركية إلى محركات الطائرات المقاتلة في الهند بما يعزز صناعتها الدفاعية المحلية لعقود، قد لا يخدم المصالح الأميركية على المدى الطويل.