كانت "العملية الخاصة" التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022 دون شك أهمّ تطور غيّر أولويات العالم خلال العامين الماضيين، فقد تسبّب ما جرى منذ ذلك الحين في إجراء تغيير جذري في هيكل الأمن العالمي، وأثر بشدة على العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية.
وكان رد الفعل الأولي لأنقرة على "العملية الخاصة" الروسية هو الرفض القاطع للاعتراف بالضمّ غير المشروع لمناطق شرق أوكرانيا، واتخذت موقف الدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا بحدودها المعترف بها عام 1991، واكتسب رد الفعل هذا زخما من كونها عضوا بارزا ورئيسا في حلف شمال الأطلسي وشريكا وثيقا لروسيا في الوقت عينه.
وفعّلت أنقرة المادة 19 من اتفاقية مونترو بعد أسبوع تقريبا من رد الفعل الدبلوماسي هذا، حين أغلقت المضيق التركي أمام السفن الحربية "المتحاربة" من كلّ من روسيا وأوكرانيا. وكانت تركيا بذلك أول من ذكّر بأن هذه الحرب ستؤثر على كل الدول المطلة على البحر الأسود، فكان لهذا القرار تأثير إضافي يتمثل في منع روسيا من نشر سفن حربية إضافية في البحر الأسود، مما قد يغير ميزان القوى. كما أصدرت تركيا تحذيرا لجميع الدول الأخرى، الساحلية وغير الساحلية، بالامتناع عن إرسال سفن حربية عبر المضيق، مما يؤدي إلى إغلاق البحر الأسود فعليا.
وسوى ذلك، فإن أنقرة، التي تأثرت بشكل مباشر بالحرب بين الجارتين على البحر الأسود بجميع أبعادها، اتبعت سياسة "الحياد النشط" التي تعطي الأولوية للحل السلمي بين روسيا وأوكرانيا وتحاول تحقيق التوازن بين دوري الميسّر والوسيط. وعلى الرغم من أن هذا النهج يتوافق مع عملية صنع السياسة الخارجية المتوازنة التقليدية في تركيا عموما، إلا أنه يعاني هنا حساسية وضعفا ويقف على حد السكين.