تثير معركة أو ملحمة مخيم جنين البطولية السؤال عن معركة الكرامة (مارس/آذار 1968)، التي خاضتها فصائل العمل الفدائي الفلسطيني بقيادة حركة "فتح"، بمشاركة فاعلة من الجيش الأردني، في مواجهة الجيش الإسرائيلي، الذي جرّد وقتها حملة عسكرية كبيرة مع دبابات ومدرعات، للقضاء على القواعد العسكرية الناشئة للفدائيين الفلسطينيين في غور الأردن، وهو سؤال يستدعي نبش الذاكرة التاريخية، والبحث في دلالات التجربة الوطنية الفلسطينية، من الأمس إلى اليوم.
ففي حينه، أتت معركة الكرامة كحدث تأسيسي كبير في بدايات الحركة الوطنية الفلسطينية التي قامت على عمود العمل الفدائي المتصاعد بعيد هزيمة يونيو/حزيران 1967، وهي النكبة الثانية التي أعطت دفعا ومشروعية ودعما من النظام العربي لانطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني، بسبب حاجته إليها للتغطية على تلك الهزيمة.
في المحصلة تمخّضت تلك المعركة أو الملحمة التي استمرت يوما واحدا، والتي لم يستطع فيها الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه، عن صعود في شعبية العمل الفدائي، فلسطينيا وعربيا، وترسّخ قواعد الفدائيين في الأردن (حتى العام 1970)، كما أدت إلى انتقال منظمة التحرير، الكيان الرسمي الجامع للشعب الفلسطيني، من عهدة الشخصيات الوطنية المستقلة، التي مثلها أحمد الشقيري في ذلك الوقت، إلى عهدة فصائل المقاومة المسلحة، التي مثلها ياسر عرفات، إضافة إلى فرض قضية فلسطين في الأجندة العربية والدولية، وتحويل قضية الفلسطينيين من مجرد قضية لاجئين مشردين إلى شعب يكافح من أجل حقوقه في وطنه.