بُنيت آمال كبيرة على توقيع اتفاقات أبراهام منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وتوقع الناس أن يروا عهدا جديدا من السلام في الشرق الأوسط. لكن ما جرى في القضية الفلسطينية كان عكس ذلك، فلم تحقق الاتفاقات الكثير، من حيث تحسين أوضاع الشعب الفلسطيني، وهو ما أظهره بجلاء اندلاع أعمال العنف الأخيرة في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة.
وفيما يرقى إلى أكبر توغل عسكري إسرائيلي منذ 20 عاما في الأراضي الفلسطينية المحتلة، شنّ نحو ألف إلى الفي جندي إسرائيلي هجوما كبيرا تركز بشكل أساسي على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في ضواحي المدينة الذي يضم قرابة 20 ألف مدني فلسطيني.
يزعم المسؤولون الإسرائيليون أن عمليتهم العسكرية، التي تأتي على خلفية التوترات المتزايدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تستهدف المسلحين الفلسطينيين المتمركزين في المخيم الذين نفذوا سلسلة من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية في الأشهر الأخيرة.
ونتج عن هذا التوغل حتى الآن مقتل ما لا يقل عن 11 فلسطينيا وإصابة العشرات بجروح، بعد أن نشر الإسرائيليون طائرات دون طيار وطائرات هليكوبتر حربية لاستهداف معاقل يشتبه في استخدامها من قبل النشطاء.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم أبلغوا البيت الأبيض قبل بدء العملية، وأبدت إدارة الرئيس جو بايدن دعمها للهجوم الإسرائيلي. وقال متحدث باسم البيت الأبيض "لقد اطلعنا على التقارير ونراقب الوضع عن كثب. نحن ندعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن شعبها ضد حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والجماعات الإرهابية الأخرى".
وفيما يصر الإسرائيليون على أن هدف العملية هو وضع حد للهجمات الفلسطينية ضد أهداف إسرائيلية، فإن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس، حيث أصيب سبعة أشخاص على الأقل في هجوم دهس وطعن في تل أبيب، وبالتالي فإن العملية الإسرائيلية لن تؤدي إلا إلى إطلاق جولة جديدة من الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقع هجوم تل أبيب بعد أن استنكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس العملية الاسرائيلية ووصمها بأنها "جريمة حرب جديدة ضد شعبنا الأعزل،" في حين دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومقرها غزة الشباب في الضفة الغربية للانضمام إلى القتال.
يبدو أكيدا أن كلا الطرفين ليس مستعدا للتهدئة، ما سيولد بالتأكيد تصاعدا للعنف يثير حتما تساؤلات حول الجدوى المستقبلية لاتفاقات أبراهام
ويبدو أكيدا أن كلا الطرفين ليس مستعدا للتهدئة، مما سيولد بالتأكيد تصاعدا للعنف يثير حتمًا تساؤلات حول الجدوى المستقبلية لاتفاقات أبراهام.
وعلى الرغم من استبعاد إدارة ترامب الفلسطينيين من المفاوضات عن عمد عندما سعت إلى تحسين العلاقات في المنطقة، كان هناك تفاهم ضمني على أن التحسن في العلاقات بين إسرائيل والموقعين العرب يعني بذل جهود متجددة لإيجاد حل دائم للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
كان هذا بالتأكيد فهم صانعي السياسة في الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، الذين اعتقدوا، من خلال التوقيع على الاتفاقات في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، أن تحسين العلاقات مع إسرائيل من شأنه أن يعزز احتمالات تحقيق سلام دائم في جميع أنحاء المنطقة.
كان هذا على الرغم من أن الاتفاقات لم تتضمن أي بنود لمساعدة الفلسطينيين على التوصل إلى اتفاق الوضع النهائي مع إسرائيل لدفع حل الدولتين، وإحجام إدارة ترامب عن إجراء أي حوار هادف مع القادة الفلسطينيين.
نتيجة لذلك، أدى التوقيع الأولي للاتفاقات إلى تحسن قصير المدى في العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، حيث عقدت الوفود التجارية الإسرائيلية والعربية اجتماعات منتظمة لتعزيز العلاقات التجارية، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن تبدأ الأجواء الإيجابية بالتلاشي تدريجيا، خاصة بعد عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتنياهو إلى منصب رئاسة الحكومة.
كرس نتنياهو معظم حياته السياسية لعرقلة احتمال التوصل إلى تسوية سلمية دائمة مع الفلسطينيين، وذلك منذ التوقيع على اتفاقات أوسلو في التسعينيات عندما ظهر كمنتقد شرس للاتفاق المبرم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
ومنذ اللحظة الأولى التي تولى فيها نتنياهو رئاسة الوزراء في 1996، وخلال سلسلة الحكومات الإسرائيلية التي ترأسها، عارض على طول الخط أي مبادرة فلسطينية لإقامة دولة مستقلة.
ولم تلن لنتنياهو قناة بعد نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية التي شهدت منافسة شديدة في العام الماضي، بل أظهر تصميما متعاظما على مقاومة سعي الفلسطينيين لإقامة دولة من خلال تشكيل الحكومة الأكثر يمينية ومحافظة دينيا في تاريخ إسرائيل الممتد على 75 عاما.
بعد تصاعد العنف الدراماتيكي في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، يبدو أن اتفاقات أبراهام موجودة على أجهزة التنفس ودعم الحياة
كان أحد التعهدات الرئيسة للإدارة الإسرائيلية الجديدة هو إعطاء الأولوية للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وهي خطوة بعثت برسالة لا لبس فيها مفادها أنه طالما ظل نتنياهو في منصبه، فلا توجد أي فرصة على الإطلاق لإحراز أي تقدم ذي مغزى في هذا المجال على جبهة السلام.
أثار نهج حكومة نتنياهو المتشدد تجاه القضية الفلسطينية انتقادات من عدد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، التي كانت أول من وقع اتفاقات أبراهام.
وجاء أول مؤشر على أن الأمور لم تكن على ما يرام في العلاقات بين إسرائيل وشركائها العرب الجدد في مارس/آذار عندما أدلى وزير المالية الإسرائيلي، بتسائيل سموتريتش، بتصريحات ملتهبة، نفي فيها كلية وجود الفلسطينيين، مدعيا أن سعيهم لإقامة دولة ما هو إلا "اختراع" من القرن الفائت.
ورد الأردن باستدعاء سفير إسرائيل، فيما نددت الإمارات بالتعليقات بقولها إنها "ترفض الخطاب التحريضي وكل الممارسات التي تتعارض مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية". ولم تتحسن العلاقات بين إسرائيل والإمارات بعد أن أدلت وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف بتصريحات مهينة بعد زيارة إلى دبي في وقت سابق من هذا العام، معلّقة: "لا أحب هذا المكان"، ومتعهدة بعدم العودة أبدا.
والآن، بعد تصاعد العنف الدراماتيكي في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، يبدو أن اتفاقات أبراهام موجودة على أجهزة التنفس ودعم الحياة؛ حيث إن التكتيكات التي لا هوادة فيها التي يتبناها الجيش الإسرائيلي تجعل الأمر أكثر صعوبة على الموقعين العرب على الاتفاقية لتبرير الحفاظ على العلاقات مع الدولة اليهودية.
ولكن أولئك الذين يسعون إلى الحفاظ على الاتفاقات يرون أن الاتفاق قد أدى، على الرغم من العنف، إلى زيادة العلاقات التجارية بين إسرائيل والعالم العربي، وفهم أفضل للمخاوف الأمنية الإقليمية لكل منهما. ومع ذلك، فإن من الصعب أن نتخيل كيف يمكن لمثل هذا الاتفاق أن يستمر عندما يجد الشعب الفلسطيني نفسه مرة أخرى تحت رحمة القوة العسكرية الإسرائيلية.