يحدثنا التاريخ عن رجال ونساء كثر بدت عليهم وعليهن علامات التميز والنبوغ المبكر. بولونيا واحدة من الدول الزاخرة بهؤلاء الرواد والرائدات، في مقدمهم بابا روما الأسبق، يوحنا بولس الثاني، الذي لفت ورعه وتدينه العميق والمبكر أنظار الدائرة التي ترعرع فيها. وقد تنبأت إحداهن لهذا الشاب الذي يقطن البناية الرقم 2 من شارع الكنيسة في قرية وازوفيتش، بأن يصبح في يوم من الأيام "الرقم واحد" في كنيسة روما، على الرغم من كون بولونيا آنذاك كانت من ضمن المنظومة السوفياتية، وهناك صعوبة، لا بل استحالة، في وصول أحد كهنتها إلى هذا المنصب.
مواطنته ذات الجذور البولونية، جانيت يلين، المولودة من أب طبيب هاجر وعائلته اليهودية من بولونيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، هربا من الهولوكوست، سارت هي أيضا على درب التميز منذ نعومة أظفارها.
تخرجت يلين عام 1962 بتفوق من مدرسة "فورت هاميلتون" الثانوية في حي "باي ريدج" الذي تقطنه مع عائلتها في بروكلين جنوب نيويورك.
انتسبت لاحقا إلى جامعة "براون" لدراسة الفلسفة والتاريخ، لكنها انتقلت إلى الاقتصاد، وتخرجت بامتياز وحازت مرتبة الشرف من كلية "بيمبروك" عام 1967. ثمّ التحقت بجامعة "يال" حيث نالت عام 1971 شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، وكانت أطروحتها عن العمالة والبطالة وعنوانها "التوظيف والناتج وتراكم رأس المال في اقتصاد مفتوح: نهج عدم التوازن". وقد أعدت دراستها تحت إشراف جيمس توبين وجوزيف ستيغليتز، حائزي جائزة "نوبل" للاقتصاد، ووصفها الأخير في إحدى المناسبات، بأنها "من ألمع طلابه".
جدير بالذكر، أن عدد الاقتصاديين الذين حصلوا على درجة الدكتوراه من جامعة "يال" في عام 1971، بلغ اثنين وعشرين باحثا، وكانت يلين الاقتصادية الوحيدة بينهم.
انطلاقة مهنية متألقة
بعد ذلك، انتقلت يلين إلى العمل. البداية كانت في كلية الاقتصاد بجامعة "هارفارد" كأستاذ مساعد من عام 1971 إلى عام 1976، ومن ثم كخبيرة اقتصادية في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي بين عامي 1977 و1978، حيث قابلت هناك جورج أكرلوف الذي تزوجته، وهو خبير اقتصادي حائز جائزة "نوبل" في الاقتصاد، وأستاذ في جامعة "جورج تاون"، وأستاذ فخري في جامعة "كاليفورنيا".
بعد الزواج، انتقلا معا إلى التعليم في جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE) من 1978 إلى 1980، وعند العودة إلى الوطن عام 1980، التحقت يلين بجامعة "كاليفورنيا" للتدريس، وبعدها بمعهد "هاس" للأعمال.
خلال مرحلة التدريس الجامعي، ركزت يلين في كتاباتها على مواضيع البطالة والعمل والسياستين النقدية والمالية والتجارة العالمية والنتائج الاقتصادية للوحدة الألمانية، وشاركها زوجها في بعض منها.