5. الحكاية وما فيها
في 2009 قدم الروائي والكاتب المصري محمد عبد النبي ورشة كتابة إبداعية سماها "الحكاية وما فيها"، استفاد فيها من عدد من التجارب والكتب والممارسات العملية المباشرة للكتابة السردية بصفة خاصة، ونتج بعد ذلك من هذه الورشة كتابه المهم "الحكاية وما فيها" الصادر عام 2017 عند مؤسسة هنداوي، وقد صدرت له طبعة ثانية أخيرا عن دار "الكرمة".
في هذا الكتاب يأخذ محمد عبد النبي الكاتب بخطوات أكثر احترافية لكتابة السرد والرواية، بدءا بالكتابة الحرة البسيطة وطرق تحفيزها من خلال الأفكار والكلمات المفتاحية، مرورا بطرق مختلفة ومبتكرة لالتقاط الأفكار والكتابة من خلال اللعب بجدية، وكذلك الإشارة الى أهمية كتابة اليوميات، يبدو في الحكاية وما فيها أثر تلك الممارسة الفنية الطويلة وعدد من تمارين الكتابة الشيقة بالفعل، التي يمكن تجربتها على الفور والانطلاق منها إلى كتابة سردية جيدة، وهو بعد ذلك لا يترك القارئ في فوضى تلك التجارب والتمارين وإنما ينقله إلى تفاصيل بناء السرد، فيتحدث عن التيمة التي يبني عليها الكاتب حكايته، وكيف يمكن أن تتفق التيمات في روايات مختلفة:
"ضَعْ قائمةً بكلمات مجردة؛ مشاعر وانفعالات وأحاسيس، ثم حاوِلْ أن تصفها من خلال الحواس. على سبيل اللعب والتجريب: ما لون الحب؟ ما رائحة الغيرة؟ ما مذاق التعب؟ ما ملمس الغضب؟ ما صوت النفاق؟ فاجِئْ نفسَك وغامِرْ والعب، متجنِّبا الكليشيهات الجاهزة، فليس بالضرورة أن تكون صورةُ الحب على الدوام هي زهورٌ وقلوبٌ وشموسٌ غاربة، بل قد تكون أيضًا «سِنَّة مكسورة".
يضع عبد النبي فصولا خاصة عن كل تقنية من تقنيات كتابة السرد، فيخصص لوصف الشخصيات عددا من الفصول يتناول فيها طرق وصف الشخصية بدءا بمحاولة الكاتب تعريف نفسه باعتباره شخصية افتراضية حتى يصل إلى عدد من التمارين المهمة لبناء الشخصية، مثل وضعها في مواقف مختلفة وتغيير النوع والسن لوضع افتراضات جديدة في البناء، ثم يتحدّث باستفاضة كذلك عن الحوار وأهميته في السرد، وكيف يتغيّر تبعا للشخصيات التي يختارها الكاتب، وضرورة أن يأتي قصيرا مكثفا ودالاً على مواقف وطبيعة الشخصية قدر الإمكان، ويضع أيضا تمرينا لكتابة الحوار على النحو الأمثل، وكذلك يشير في فصل خاص إلى الوصف وتكوين المشهد في السرد وضرورته، وكيف يستخدم الكاتب حواسه كلها لوصف ما يراه وليس فقط من خلال عينيه، وأن وصف الأماكن كذلك يحتل أهمية خاصة في بناء السرد الروائي.
بعد ذلك ينهي عبد النبي كتابه بملحق يأتي فيه على ذكر عشرة كتب مترجمة تتحدّث عن الكتابة الإبداعية، يقدم لها ويشرحها، كما يضع عددا من النصائح المباشرة لكتابة السرد من عشرين كاتبا محترفا.
6. أدوات الكتابة
هكذا يبدو أن للكتابة أكثر من باب وأسلوب وطريقة، وأن هناك على الدوام تمارين محفزة، وأدوات مختلفة يمكن الاعتماد عليها لنقل الكاتب من مرحلة البداية الى الاحتراف، ولعل ما يقدّمه الكاتب الأميركي روي بيتر كلاركفي كتابه "أدوات الكتابة" يمثل نموذجا آخر لذلك، إذ يحدّد خمسين استراتيجية ضرورية لكل كاتب (حذفت واحدة منها في الترجمة العربية لأنها تخص قواعد اللغة الإنكليزية) فيتحدث عن طرق إثراء الكتابة بشكل عام، ويبدو الكتاب مهتما بفكرة "التحرير الأدبي" أكثر من الكتابة، إذ يخاطب كاتبا متحققا بالفعل، لديه القصة والحبكة والفكرة وانتهى من كتابته، لكنه يضيف له عددا من الأدوات اللازمة للكتابة، فيقسم الكتاب أربعة أقسام، أولها "صواميل ومسامير" يتحدث فيه عن ترتيب الكلمات داخل النص، تقديم الفاعل مثلاً، أهمية الجملة الطويلة واستخداماتها، وعلامات الترقيم، وغيرها من أدوات خارجية عن الجملة يمكن إضافتها وتعديلها والتركيز في بنائها.
في القسم الثاني يركز كلارك على ما يسميه "المؤثرات الخاصة" في الكتابة، مثل استخدام الكلمات المفتاحية، والاهتمام باختيار الأسماء، وإمكان التلاعب بالكلمات حتى في القصص الجادة، ومتى يمكن الافادة من إضافة اقتباس من كتابات الآخرين، وغيرها من طرق مهارية تميز كاتبا عن آخر، وتجعل له بصمته المميزة في عالم الكتابة، ويأتي القسم الثالث بعنوان "مخططات" الذي يشير فيه بداية إلى أهمية وضع خطة عمل لما تكتب في البداية، ويشير إلى أن كل كتابة يجب أن يكون لها خطة محدّدة داخلية للعمل من البداية إلى النهاية، كما يشير إلى الفرق المحوري بين كتابة القصة والتقرير الصحافي، ويتحدث عن استخدام الحوار أيضا في الكتابة وأهميته، وكذلك عن مميزات رسم الشخصية في الكتابة الأدبية، وإضافة محفزات للتشويق في الأحداث سواء الأساسية أو الثانوية، أو أن يغيّر الكاتب من طريقة وأسلوب كتابته بالكتابة بزوايا سينمائية مختلفة، وغير ذلك من الخطط المعتمدة، والجميل أنه في آخر كل أداة من هذه الأدوات يشير إلى تمرين خاص بتلك الأداة يمكن للكاتب تطبيقه عمليا لمعرفة طريقة عمل هذه الأداة وكيف يستخدمها في كتابته بفعالية.
7. فن الكتابة
أحد الكتب القصيرة المهمة التي تحدثت عن الكتابة كتاب "فن الكتابة" للروائي والكاتب الإسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون صاحب الرواية الشهيرة "جزيرة الكنز" وغيرها، الذي صدرت ترجمته أخيرا عن كتاب الدوحة 2020 بترجمة مجدي خاطر، وهو يتكوّن من مقالات عدة يتحدث فيها ستيفنسون أولا عن "العناصر الفنية للأسلوب الأدبي" فيتناول اختيار الكلمات وتوظيفها أثناء الكتابة والربط بين الكلمات وبعضها من خلال "شبكة" علاقات معتمدة، وهي الطريقة التي تميز أسلوب أديب عن آخر، كما يتحدّث عن "إيقاع العبارة" وما يمكن أن تحتوي عليه من جاذبية في الوصف وطريقة التعبير الدقيقة عن المواقف، ويشير إلى عدد من الأمثلة التي تحقّق فيها ذلك الإيقاع الخاص سواء في الشعر أو السرد القصصي.
كما يتحدّث ستيفنسون في مقالٍ آخر عن "المبادئ الأخلاقية لمهنة الأدب" (من مقال منشور عام 1881) فيشير إلى واجبين أساسيين على كل كاتب، الأول أن يكون عقله مرنا وخيّرا ومشرقا، وأن يتمكّن من تمثل الأفكار كافة ويرى الخير في كلّ الأمور، والواجب الآخر أن تكون أعماله الأدبية صادرة عن دوافع عميقة وإنسانية قوية، سواء جاء ذلك بأسلوب جاد أو ساخر، واقعي أو حالم، وأن يكون ضميره يقظا على الدوام حريصا على كل ما فيه نفع وطنه وأمته، وفي المقالات الأخرى للكتاب يتحدث ستيفنسون عن كتب أثّرت في حياته وتربيته، يذكر منها "أوراق العشب" لويتمان، و"حياة غوته" لجورج هنري، و"التأملات" لماركوس أوريليوس وغيرها.