أثار غرق قارب للاجئين مؤخرا في اليونان قلقا كبيرا وحظي باهتمام واسع بسبب الخسائر المأساوية في الأرواح. وأكدت التقارير الرسمية مقتل 78 شخصا، بينما لا يزال مصير حوالي 500 شخص مجهولا. وعلى الرغم من تقديمهم التعازي، إلا أن العديد من صانعي السياسة الأوروبيين يأملون بأن يؤدي هذا الحادث المدمر، جنبا إلى جنب مع المخاطر الكامنة في مثل هذه الرحلات الغادرة، إلى ثني المهاجرين عن محاولة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
ومع ذلك، ترسم حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي يشاركها السوريون الباحثون عن معلومات ونصائح حول التخطيط لمثل هذه الرحلات الخطرة صورة متناقضة. إذ على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها الأمر، يظل هؤلاء الأشخاص عازمين على المضي قدما والسعي إلى حياة جديدة في أوروبا، مدفوعين بانعدام الأمل وعدم وجود بدائل مجدية.
للأسف، أدت جهود التطبيع المستمرة مع النظام السوري، والتي تعطي الأولوية لعودة اللاجئين، إلى تفاقم الوضع القاتم لأولئك الذين لجأوا إلى دول المنطقة. إذ يواجه هؤلاء الأشخاص الآن قلقا إضافيا يتمثل في إجبارهم على العودة إلى سوريا دون معالجة مخاوفهم بشكل صحيح.
تسببت أزمة اللاجئين السوريين في نزوح أكثر من 13 مليون شخص، حيث تستضيف الدول المجاورة 5.6 مليون لاجئ، وهو العدد الأكبر على مستوى العالم. وتحتضن تركيا أكبر عدد من اللاجئين بين هذه الدول، أما نسبة اللاجئين السوريين في لبنان والأردن فهي الأعلى مقارنة بتعدادهما السكاني.
وعلى الرغم من وجود جيوب هدوء نسبي في سوريا منذ عام 2018، إلا أن الوضع الأمني العام في البلاد لا يزال متقلبا. وتؤكد الأمم المتحدة على الحاجة إلى اتخاذ تدابير حماية مناسبة قبل دعم جهود العودة واسعة النطاق وضمان سلامة العائدين.
وفي محاولة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، تعمل الدول العربية، ولا سيما تلك التي تستضيف اللاجئين، على الاستفادة من عملية التطبيع مع النظام السوري. وخلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمان، حُددت شروط انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية. وكجزء من هذه الاتفاقية، سينفذ برنامج تجريبي لإعادة 1000 سوري إلى وطنهم، ليكون بمثابة اختبار لتقييم جدوى عمليات العودة على نطاق أوسع.
ومع ذلك، لا تزال الإصلاحات المحددة التي طلبتها الدول العربية لضمان العودة الآمنة للاجئين إلى سوريا وآليات قياس وتنفيذ هذه الإصلاحات غير واضحة. وفي حين أن هذه التفاصيل لا تزال على الأرجح قيد المناقشة، فإن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الحصول على وعود من النظام السوري كان الجزء السهل في هذه العملية، في حين أن التحدي الحقيقي يكمن في وضع تدابير محددة لضمان سلامة العائدين.
أظهر استطلاع حديث أجرته الأمم المتحدة بين اللاجئين السوريين أن 1.1٪ فقط من المشاركين أعربوا عن نيتهم العودة إلى سوريا خلال العام القادم. كما أعرب 56٪ منهم فقط عن أملهم في العودة إلى سوريا يوما ما.
وتكشف الرواية الرسمية للنظام حتى الآن عن إحجامه عن تحمل المسؤولية في الوقت الذي يتوقع فيه الحصول على المكاسب. وظهر هذا الشعور جليا في البيانات الرسمية للنظام، بما في ذلك تلك التي صدرت في القمة العربية، والتي زعم فيها أنه أوفى بالتزاماته في استقبال اللاجئين. وبدلا من ذلك، وضع النظام العبء الرئيسي على عاتق نقص تمويل إعادة الإعمار والعقوبات الدولية التي يجب حلها لعودة اللاجئين.
ومع ذلك، يعارض مسؤولو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باستمرار الاستجابة لهذا الطلب بسبب انتهاكات النظام المستمرة ضد العائدين، وغيرهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات والتمويل مرتبطان بتحقيق حل سياسي في سوريا، وهو ما يواصل النظام التهرب منه.
وفي ضوء هذا الجمود، يخشى اللاجئون السوريون في المنطقة أن تستغل الحكومات المضيفة عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية لإجبار اللاجئين على العودة دون توفير ضمانات كافية لحمايتهم. تغذي هذه المخاوف الجهود الثنائية المستمرة لإبرام صفقات مع دمشق من أجل الإعادة الجماعية إلى الوطن. وبينما يبحث لبنان عن طرق مختلفة لتسريع مثل هذه الصفقة، تعهد أردوغان، بعد الانتخابات، بضمان العودة الطوعية لمليون سوري في غضون عام واحد.
أظهر استطلاع حديث أجرته الأمم المتحدة بين اللاجئين السوريين أن 1.1٪ فقط من المشاركين أعربوا عن نيتهم العودة إلى سوريا خلال العام القادم. كما أعرب 56٪ منهم فقط عن أملهم في العودة إلى سوريا يوما ما. وتشير هذه الأرقام إلى الصعوبات التي ستواجهها الحكومات في إعادة اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة، لا سيما على أساس طوعي. وهذا يفسر الزيادة المبلغ عنها في عمليات الترحيل الممنهج للاجئين من لبنان وتركيا ، الأمر الذي أدى إلى تفاقم محنتهم.
وخلاصة القول، لا يعاني اللاجئون السوريون من تضاؤل الأمل في مستقبل أفضل في سوريا فقط، بل من تضاؤل فرصهم في التهرب من الإعادة القسرية إلى النظام الذي يفرون منه. وطالما أن البدائل المجدية لضمان سلامتهم وتأمين مستقبل أطفالهم لا تزال بعيدة المنال، فإن التدفق المستمر للاجئين السوريين نحو أوروبا يبدو أمرا لا مفر منه.
قد يكون البعض محظوظا بما يكفي للوصول إلى الشواطئ حيّا، أما الآخرون فيصلون بشكل مأساوي كضحايا، ويشكل موتهم نداء يائسا للحصول على الاهتمام في عناوين الأخبار.