لندن: زائر معرض الألماني أنسيلم كيفر الجديد في "غاليري وايت كيوب" بلندن، يجد نفسه مضطرا إلى التخلّي عن الكثير من قناعاته في الحياة والثقافة المعاصرتين، بل وبذل الكثير من الجهد من أجل الحفاظ على ما تبقى لديه من أمل. ففي مواجهة رؤية نيتشوية مدمرة لا يملك المرء سوى أن يسلّم أمره للعصف.
خطّط الفنان المولود في نهايات الحرب العالمية الثانية (1945) أن يبدأ معرضه بممر ليلي متأثرا برواية "يقظة فينيغان" لجيمس جويس التي جعلها هذه المرّة مصدر إلهامه وهي رواية ليلية. لكن ليل كيفر مكتظ بالكوابيس التي تستحضر حياة لن يتمكن المرء وحده من عيشها. إنها حياة يستحضرها مجتمع قد التفّ أفراده حول جنازة، لا من أجل توديعها بل من أجل مساءلتها والتفتيش في دفاترها. يختصر كيفر مشكلات عالمنا المعاصر في هذيان فريد من نوعه، ينتقل من مواد الحياة المباشرة إلى الكتب وعبرهما إلى المناظر الطبيعية التي يشتبك الواقعي بالخيالي في خلقها، فلا يتمكن المرء من رؤيتها إلا إذا شك في وجودها. ولأن كيفر رسام محترف متمكن من حرفته، استطاع أن يصل إلى قلب المشهد الطبيعي من غير أن يحتاج إلى مزوّقات الرسم. حرث الأرض كما كان يفعل دائما لتبتهج عيناه بما تريان. هناك الكثير مما يمكن أن نراه خلف ذلك الليل بعدما نجح كيفر في أن يشتق من عتمته مادة لبناء عالم يقف إلى جوار عالم رواية جويس الأخيرة التي استغرق في كتابتها 17 عاما ونشرها عام 1939 أي قبل عامين من وفاته.