هز الزحف المُجهَض الذي قام به يفغيني بريغوجين باتجاه موسكو نظامَ فلاديمير بوتين. ولعلّ من السابق لأوانه التنبؤ بتداعيات ذلك على الأحداث في روسيا وربما أوكرانيا، ولكن إحدى نتائجها الأوسع نطاقا ستكون على الأرجح إعادة تقييم بعض لفائدة استخدام المرتزقة. فعلى الرغم من أن "فاغنر" هي أشهر مجموعة مرتزقة تعمل على المستوى الدولي، فهي ليست فريدة من نوعها.
إذ كان صعودها جزءا من توجه أوسع نحو استخدام المرتزقة في العقد الماضي، حيث كان الشرق الأوسط، وهو عين المكان الذي انتشرت فيه قوات فاغنر نفسها على نطاق واسع، في مقدمة الأماكن التي تم استخدام المرتزقة فيها.
ففي أعقاب انتفاضات 2011 والحروب التي تلتها، لجأ العديد من الحكومات إلى المرتزقة للمساعدة في تحقيق أهدافها في مجموعة من النزاعات، وكانت حكومات إيران وتركيا، إلى جانب الحكومة الروسية أبرز من استعان بالمرتزقة. والآن، بعد أن أثارت تصرفات بريغوجين الشكوك حول الحكمة من الاعتماد الكبير على القوات الخارجية المأجورة، هل ستدفع التطورات في موسكو طهران وأنقرة إلى إعادة النظر في هذا الأمر؟
جاذبية المرتزقة
يعتبر استخدام المرتزقة الأجانب ممارسة تعود إلى العصور القديمة، فقد استخدم الفرس القدماء المرتزقة في معاركهم مع الإغريق. وكان استخدام المرتزقة شائعا في أوروبا في العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، لكن هذه الممارسة تراجعت في القرنين التاسع عشر والعشرين.
فمع تزايد قوة الدول وبيروقراطيتها، بدأت تلك الدول ترغب في تحقيق مزيد من الاحتراف العسكري، مما أدى إلى تراجع استخدام قوات المرتزقة المؤقتة. ثم أدى نمو القومية بين الجماهير، خاصة بعد الثورة الفرنسية، إلى قيام الحكومات بتطوير جيوش كبيرة مهنية ودائمة، مستمدة بشكل أساسي من شعوبها، بدلا من المرتزقة الأجانب.
ونتيجة لذلك، خاضت الجيوش الوطنية، في المقام الأول، الصراعات الكبيرة في القرن العشرين مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية بدلا من المرتزقة. واستغلت الإمبراطوريات الدولية مثل بريطانيا وفرنسا قواتها الاستعمارية، إلا أنهم كانوا يعتبرون تلك القوات امتداد للوطن بدلا من كونها قواتا أجنبية، وعلى عكس المرتزقة، كانت أجور تلك القوات غالبا أقل بكثير من الأجور التي كانت تدفع للجنود الأوروبيين.
لم يتوقف استخدام المرتزقة بشكل كلي، بل استمرت بعض الدول في استخدامها عبر التاريخ. إلا أن بداية القرن الحادي والعشرين شهدت انتعاشا في استخدامهم من قبل القوى الدولية الكبرى. فازدهرت شركات الأمن الخاصة، واشتهرت واشنطن بنشر قوات بلاك ووترز لتعزيز قواتها خلال الاحتلال الأميركي للعراق في الفترة ما بين 2003-2011. أما روسيا، فاستخدمت قوات فاغنر في مسارح دولية مختلفة منذ تأسيسها في عام 2014.
وكان أحد المبررات الرئيسية لاستخدام المرتزقة هو أنهم يقللون من خطر المعارضة المحلية للحرب، فنحن نتذكر مثلا المعارضة الكبيرة في الولايات المتحدة لحرب فيتنام بسبب العدد الكبير من جنودها الذين قتلوا فيما أصبح وقتها جيشا إلزاميا. وواجهت موسكو، عندما كانت عاصمة الاتحاد السوفيتي، استياء مماثلا بعد ارتفاع معدل الضحايا أثناء احتلالها لأفغانستان. لذلك، فإن استخدام المرتزقة يقلل من هذه المخاطر. ومن المبررات الأخرى المهارات القتالية التي يمكن أن تميّز قوات المرتزقة.