بمجرد أن يرتكب بلد ما خطأ استراتيجيا، فإن أي إجراء يتخذه لتصحيحه يكون عادة محاولة للحد من الضرر. ويعتبر التغلب على تداعيات خطأ كهذا مشروعا طويل الأمد يتطلب إعادة النظر في أسس مفهوم الأمن القومي.
لا يهم سبب ارتكاب الخطأ الاستراتيجي، إذ قد يكون نتيجة لعامل واحد أو مجموعة من العوامل، ولكنه بشكل رئيسي نتيجة لمعلومات خاطئة مستمدة من معلومات استخبارية غير دقيقة وسوء قراءة للمشهد الإقليمي والدولي. ولكن يمكن أن يُفرض أيضا على بلد ما كخيار أقل سوءا في التعامل مع ما يعتبره تهديدا غير مقبول لأمنه القومي، ولعل هذا ما حدث مع روسيا في أوكرانيا.
إذ أثار تمرد مجموعة فاغنر في روسيا الأسبوع الماضي دهشة العالم، وهو أمر مفهوم لكون روسيا تشكل قوة عظمى ويمكن لأي أمر يحدث هناك أن يتسبب في تداعيات إقليمية ودولية. ويشكل تحدي مجموعة شبه عسكرية، لا مكانة رسمية لها، للجيش بطريقة صارخة تطورا خطيرا، لا سيما في بلد تمتع عبر التاريخ بسلطة سياسية مركزية. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن التاريخ الروسي لم يشهد تمردات سابقة، إذ شهدت روسيا خلال المئتي عاما الماضية محاولات تمرد فاشلة مماثلة.
لا يتناول هذا المقال مزايا أو عيوب السياسة الروسية تجاه أوكرانيا، ولا يهدف إلى تبرير أو تشويه دوافعها في الإجراءات التي اتخذتها ضد جارتها. بل هو محاولة لفهم الأسباب التي أدت إلى تمرد فاغنر وتداعيات هذا التمرد على مستقبل روسيا.