يجد المزارعون في شمال شرق سوريا أنفسهم مرة أخرى محاصرين بشبكة من التهديدات المقلقة، حيث لا سبيل أمامهم غير سداد المدفوعات أو مواجهة عواقب وخيمة، وما يميز هذه الحوادث عن حالات الابتزاز المعتادة هو أن الطرف المسؤول عن هذه الحوادث قد كشف عن وجهه علانية.
يروي العديد من المزارعين معاناتهم المروعة، حيث يستلمون إخطارات تهديد تحمل شعار داعش يطالبون فيها بدفع الزكاة، ولم يكن أمام المزارعين خيار سوى الامتثال للمطالب وهم يرون ويدركون سجل أعمال داعش الانتقامية القاتم الحافل والذي يؤكد على جديتهم، ويرون بالمقابل عجز السلطات المحلية عن توفير حماية كافية ضد التنظيم.
وعلى الرغم من الهزيمة الإقليمية لداعش في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، يواصل التنظيم توظيف شبح العنف لنشر وسائل حماية على نطاق واسع في محافظتي الرقة ودير الزور. تكشف روايات الضحايا عن اعتماد داعش على المعرفة الوثيقة بالمجتمعات المحلية لتحديد الأهداف وحساب مبالغ الجزية.
وليس المزارعون فقط هم الذين تضع الجماعة عينها الساهرة عليهم، فهي أيضا تراقب أيضا أصحاب المهن مثل الأطباء والصيادلة وأصحاب الأعمال المزدهرة، بما في ذلك أصحاب المتاجر البارزين والرعاة والتجار والمستثمرين.
توظف داعش شبكة استخبارات بشرية متطورة لتتبع الأهداف وتقييم ثرواتهم، ويروي مزارعو القمح على سبيل المثال المحن التي مروا بها، ويصفون كيف يراقب جواسيس داعش مواقع البيع بدقة، ويوثقون الكميات المباعة ويحددون المستلمين.
توظف داعش شبكة استخبارات بشرية متطورة لتتبع الأهداف وتقييم ثرواتهم، ويروي مزارعو القمح على سبيل المثال المحن التي مروا بها، ويصفون كيف يراقب جواسيس داعش مواقع البيع بدقة، ويوثقون الكميات المباعة ويحددون المستلمين
وبمجرد اختيار الأهداف وتحديد مستحقاتهم، يستخدم داعش طرقا مختلفة لإيصال مطالبهم. ووفق شهادات الضحايا، تعتمد الجماعة في الغالب على تطبيقات المراسلة المشفرة مثل تطبيق "واتس آب"، مما يضمن إخفاء هوية المنتسبين لداعش من خلال التشفير من طرف إلى طرف. بالإضافة إلى ذلك، يسلم داعش إخطارات مكتوبة تحمل شعار التنظيم تنذر بالسوء على عتبات أهدافهم – وهو أسلوب يهدف إلى إثارة خوف متعمق الجذور.
بغض النظر عن الوسائل القسرية المستخدمة، تحمل طلبات الفدية باستمرار اسم المستهدف، وتحدد المبلغ المطلوب بالدولار الأميركي، وتحدد موقع التسليم المحدد للدفع، وتحذر أيضا هذه الرسائل بشكل ينذر بالسوء من التأخير، وتؤكد على الضرورة الملحة لتسليم الأموال بتكتم لتجنب العقاب.
بغض النظر عن الوسائل القسرية المستخدمة، تحمل طلبات الفدية باستمرار اسم المستهدف، وتحدد المبلغ المطلوب بالدولار الأميركي، وتحدد موقع التسليم المحدد للدفع، وتحذر أيضا هذه الرسائل بشكل ينذر بالسوء من التأخير، وتؤكد على الضرورة الملحة لتسليم الأموال بتكتم لتجنب العقاب
يختلف حجم وتواتر هذه المدفوعات القسرية، مما يخلق مأزقا مؤلما للمتضررين، ففي حين يدفع المزارعون مرة واحدة في السنة، عادة خلال موسم الحصاد أو بعده، فإن أصحاب الأعمال الآخرين يجدون أنفسهم عرضة لطلبات أكثر وتيرة. فعلى سبيل المثال، يقال إن المستثمرين المشرفين على حقول النفط في شرق دير الزور يضطرون إلى دفع أكثر من 5,000 دولار عن كل بئر كل شهر -وهو ما يمثل نسبة مذهلة تتراوح بين 10 و20 % من أرباح البئر الشهرية.
وبحسب ما ورد يرتب أعضاء داعش اجتماعات شخصية مع أهدافهم، وإن كان ذلك وهم يخفون هوياتهم وراء أقنعة. لا تتم عمليات الدفع النقدي دائما في المناطق النائية، مما يشير إلى أن داعش لا تشعر نسبيا بتهديد من السلطات المحلية، والمثير للدهشة أن الجماعة تقدم إيصالات لضحاياها، ليس فقط لإضفاء مظهر شكلي على المعاملة، ولكن أيضا بمثابة دليل على الدفع إذا حاول أعضاء داعش الآخرون جمع المزيد من الأموال.
أما إن اختار البعص عدم الامتثال لمطالب ابتزاز داعش، فسيواجهون عواقب وخيمة، فقد لجأت الجماعة إلى مهاجمة الشركات وتنفيذ عمليات الخطف وتنفيذ عمليات القتل المستهدف كعقوبة, وعلى سبيل المثال، ورد أن داعش دمر العديد من آبار النفط العام الماضي بعد أن رفض المسؤولون الدفع. إن قدرة الجماعة على متابعة تهديداتها قد غرس شعورا بالخوف بين الأفراد الذين أجريت معهم لقاءات، مما أدى إلى ثنيهم عن التفكير في تجاهل مطالب الدفع.
والمثير للدهشة أن الجماعة تقدم إيصالات لضحاياها، ليس فقط لإضفاء مظهر شكلي على المعاملة، ولكن أيضا بمثابة دليل على الدفع إذا حاول أعضاء داعش الآخرون جمع المزيد من الأموال
يعد تقدير المبلغ الدقيق الذي تجمعه داعش من عمليات الابتزاز غير المشروعة أمرا صعبا، ولكن تشير التقارير الإعلامية إلى أن التنظيم يدر عدة ملايين من الدولارات سنويا من خلال هذه الطريقة. في حين أن هذا الرقم يتضاءل مقارنة بـ 80 مليون دولار شهريا جمعتها داعش في عام 2015، إلا أنها لا تزال كافية لضمان بقاء التنظيم، ويعد التدفق النقدي الحالي لداعش أكثر من كاف لتمويل عمليات الكر والفر وإعادة بناء شبكاته.
سمح انتشار الخوف من الأعمال الانتقامية المحتملة من السلطات في شمال شرق سوريا لأنشطة الابتزاز هذه بالتهرب إلى حد كبير من الكشف عنها، الأمر الذي يجعل الإجراءات المضادة أكثر صعوبة. وبالتالي، يجب على السلطات المحلية، إلى جانب تعزيز التدابير الأمنية، أن تسعى جاهدة لكسب ثقة مجتمعاتها لتأمين تعاونها في مكافحة نظام الدفع مقابل الحماية هذا.
لقد أصبحت المهمة المطروحة مسعى شاقا مع ندرة الموارد ومجموعة المظالم التي عبر عنها السكان المحليون ضد الحكام الفعليين لشمال شرق سوريا. ومع ذلك، ما لم تتعطل قدرة داعش على تمويل عملياتها الفتاكة، فإن شبح استمرارها شبه مؤكد.