فيما يتسارع التطبيع الإقليمي مع دمشق بشكل ملحوظ، تقدّم التغطية الإعلامية للأحداث هذه التطورات عموما على أنها تغيير كبير وواعد لصالح سوريا ومستقبلها. لكن هل هناك سبب وجيه يدفعنا للاعتقاد بالفعل بأن التغيير الجوهري الحقيقي أمر محتمل ووارد؟
حتى الآن، لم تسفر مسارات إعادة المشاركة التي قامت بها بعض الحكومات الإقليمية منذ عام 2018 تجاه دمشق عن أي تغيير إيجابي داخل سوريا، بل على العكس، تنحدر الأمور على أرض الواقع من سيئ إلى أسوأ منذ ذلك الحين.
وتوصف مرحلة الانخراط الجديدة متعددة الأطراف بأنها مشروطة، ولكن من غير المرجح أن يجري إيقافها والتراجع عنها بمجرد أن يتضح أن النظام غير مستعد بطبيعته لتقديم تنازلات جوهرية.
ومن الممكن أن يقدم النظام بعض التنازلات الطفيفة، في الأسابيع والأشهر المقبلة، تكفي لإطالة عملية التطبيع، ولكي يجعل من المستحيل عكس المسار. ومع ذلك، إذا تقرر تمديد وصول المساعدات عبر الحدود، وتراجعت وتيرة تهريب الكبتاغون، وأعلن- ربما- عن عفو محدود، فلن يعني ذلك حقيقة أن أيا من التحديات الرئيسة المرتبطة بالأزمة السورية قد وجدت سبيلها إلى الحلّ بالفعل. ولن يوافق ملايين اللاجئين السوريين على العودة أبدا، ولن يُعرف مصير أكثر من 100 ألف شخص من المفقودين– المفترض أنهم معتقلون أو قُتلوا في سجون النظام- وسيستمر الكبتاغون في التدفق، نظرا إلى هوامش الربح الهائلة المرتبطة بهذه التجارة.
حتى الآن، لم تسفر مسارات إعادة المشاركة التي قامت بها بعض الحكومات الإقليمية منذ عام 2018 تجاه دمشق عن أي تغيير إيجابي داخل سوريا، بل على العكس، تنحدر الأمور على أرض الواقع من سيئ إلى أسوأ منذ ذلك الحين
وتوصف مرحلة الانخراط الجديدة متعددة الأطراف بأنها مشروطة، ولكن من غير المرجح أن يجري إيقافها والتراجع عنها بمجرد أن يتضح أن النظام غير مستعد بطبيعته لتقديم تنازلات جوهرية.
ومن الممكن أن يقدم النظام بعض التنازلات الطفيفة، في الأسابيع والأشهر المقبلة، تكفي لإطالة عملية التطبيع، ولكي يجعل من المستحيل عكس المسار. ومع ذلك، إذا تقرر تمديد وصول المساعدات عبر الحدود، وتراجعت وتيرة تهريب الكبتاغون، وأعلن- ربما- عن عفو محدود، فلن يعني ذلك حقيقة أن أيا من التحديات الرئيسة المرتبطة بالأزمة السورية قد وجدت سبيلها إلى الحلّ بالفعل. ولن يوافق ملايين اللاجئين السوريين على العودة أبدا، ولن يُعرف مصير أكثر من 100 ألف شخص من المفقودين– المفترض أنهم معتقلون أو قُتلوا في سجون النظام- وسيستمر الكبتاغون في التدفق، نظرا إلى هوامش الربح الهائلة المرتبطة بهذه التجارة.
وأهم من ذلك كله، لن تكون هناك تسوية سياسية حقيقية وشاملة، وبالتالي، ستظل جميع عوامل عدم الاستقرار المنهك قائمة في سوريا، بل سيزداد الكثير منها سوءا بشكل ملحوظ.
وبالنسبة لـ"داعش" وأخواته، تمثل هذه التطورات الجديدة وتداعياتها أفضل سيناريو يمكن أن يحلموا به. ففي ظلّ حالة عدم اليقين العميقة الناتجة عن التطبيع الإقليمي، وتهاوي آمال أكثر من 12 مليون سوري يعيشون خارج سيطرة النظام بشكل كبير، سيجد "داعش" في ذلك فرصا كثيرة. أضف إلى ذلك أن الزيادة الأخيرة في المشاركة الإقليمية مع دمشق وجهت ضربة قاسية إلى النفوذ الأميركي والأوروبي على السياسة السورية، مما يلقي بظلال من الشك الآن على استدامة الوجود العسكري الأميركي في الشمال الشرقي.
إذا ما سحب الأميركيون قواتهم في نهاية المطاف، ستتلاشى الجهود الوحيدة الفعالة حاليا للسيطرة على "داعش" وتقويضه داخل سوريا، إذ إن القوات الأميركية لعبت وما تزال دورا حيويا في شل قدرات "داعش" على امتداد ثلث مساحة سوريا، وكذلك في العراق المجاور
فإذا ما سحب الأميركيون قواتهم في نهاية المطاف، ستتلاشى الجهود الوحيدة الفعالة حاليا للسيطرة على "داعش" وتقويضه داخل سوريا، إذ إن القوات الأميركية لعبت وما تزال دورا حيويا في شل قدرات "داعش" على امتداد ثلث مساحة سوريا، وكذلك في العراق المجاور.
وقد تذبذب رد النظام على "داعش" في السنوات الأخيرة، بين تقديم تسهيلات غير مباشرة ومحاولات تثير الشفقة لتحدي التنظيم.
وفي شمال غربي سوريا، يبدو الوضع أكثر تعقيدا فيما يتعلق بـ"هيئة تحرير الشام"، التي ربطت مصيرها، منذ انفصالها عن "القاعدة" قبل ما يقرب من ست سنوات، بشكل أوثق بمصير النضال الموازي للمعارضة السائدة. ومع سريان وقف إطلاق النار في إدلب، الذي يضمنه إلى حد كبير الوجود العسكري الكبير لتركيا، لم تكن هناك حملة عسكرية منسقة جارية لمواجهة "هيئة تحرير الشام" لسنوات، وقد ترسخت بعمق في شمال غربي سوريا. ومن الواضح أن للانتخابات التركية أهمية بالنسبة لمصير إدلب و"هيئة تحرير الشام"، ذلك أن التكاليف الحتمية المرتبطة بالانسحاب من شمال غربي سوريا تقضي على أي احتمال لأي تحولات زلزالية يمكن أن تؤثر كثيرا على "الهيئة".
ومع ذلك، من المرجح أن تستمر إعادة الانخراط الدبلوماسي التركي مع الأسد، مما سيخلق ظروفا ستحتاج فيها "الهيئة" إلى تعزيز سيطرتها في إدلب ومواصلة استكشاف الفرص لتوسيع نفوذها في ريف حلب الشمالي، من خلال وكلاء مرنين والإكراه والصفقات المحلية. ومن المحتمل أن تؤدي المخاوف المتزايدة بين السكان المدنيين في إدلب بشأن ما يخبئه المستقبل إلى نوبات احتجاج دورية ضد "الهيئة"، مما يجبر المجموعة على التفكير في إصلاحات محدودة ومواصلة حملة العلاقات العامة مع الخارج.
يبقى أن نقول إن الجماعات الإرهابية والجهات الفاعلة الخبيثة ستستمر في الازدهار، إلى أن يجري التعامل مع الأسباب الجذرية والدوافع الكامنة وراء الأزمة السورية بحزم وبلا رجعة. وتبقى "داعش"، و"هيئة تحرير الشام" وأخواتهما مجرد أعراض للأزمة السورية، وفي غياب شروط واضحة وصارمة لإعادة الانخراط الإقليمي مع دمشق، سيظل لدى هذه الجماعات أسباب للتفاؤل أكثر من القلق بشأن مستقبلها.