كثيرة هي الكوارث التي تطال الإنسان، لكن كارثة الغرق، لها خصوصية، بما تحمله من دراما معمقة للخطر، والخوف، والتهديد المهول للحياة، ففي البحر صوت آخر للخوف، يتأجّج بمجرّد ميلان السفينة، إنه ميلان مرعب نحو الهاوية، في وقت يكون المرء فيه أقرب إلى العزل عن العالم، منه للقرب، وبالتالي صعوبة مهمة الإنقاذ، حال التعرض للخطر، وهو أمر يمكن تداركه على اليابسة.
ويعد حطام سفينة تايتانيك عام 1912، الأشهر في التاريخ، إذ ارتطمت السفينة بجبل جليدي شمال المحيط الأطلسي، وفقد في الحادثة أكثر من 1500 شخص.
وقد خُلّدت ذكرى هذه السفينة، فبعد مرور أكثر من قرن على حدوثها، لا تزال الأعمال الفنية الدرامية، والأعمال التشكيلية، تتناول قصة غرق هذه السفينة.
وتبرز حالة التقاطع ما بين الأدب كقيمة إنسانية والدراما التي تحملها حالة الغرق، وهو ما جعل الخيال الإنساني وسيلة خصبة لتخليد ذكريات الغرق، في الوعي الجمعي البشري.
ولقد كان حطام السفن من العناصر التي أسهمت في بناء الأثر الذي تقوم عليه القيمة الأدبية، من خلال سرد قصص السفن المحطمة والغرقى، وصياغة القصائد عنهم، ولقد انتقلت تلك التوصيفات الأدبية، كنوع من المعرفة، التي مكنت الأجيال من معرفة الطريقة التي وقع من خلالها الإنسان في فخ الغرق.
تلك الرمزية التي تحملها السفينة، كناقل للإنسان، وعازل له عن اليابسة، تعطي شعورا بالخطر والوحدة، بمجرد الركوب داخلها، وهي مستوى جديد من الإدراك العقلي، يكتسب خلاله مشاعر جديدة، لم يكن ليكتسبها على اليابسة، لذا تكون تجربة المشاعر في العمل الأدبي مختلفة تماما في الطرح والترميز والسياق، ولطالما نجد فيه الحدث الطارئ، القائم على الحركة والخوف، وتناقضات مختلفة يمكن السرد طرحها.