وصل الصراع الذي طال أمده بين يفغيني بريغوجين، رجل الأعمال وأمين مجلس إدارة شركة فاغنر العسكرية الخاصة، ووزارة الدفاع الروسية ذروته وأدى فعليا إلى أخطر أزمة للسلطات الحاكمة في تاريخ روسيا الحديثة.
إذ هدد دخول وحدات المرتزقة في وسط روستوف على نهر الدون، وسيطرتها على عدد من المنشآت العسكرية في منطقتي روستوف وفورونيج ، ورغبتها في التحرك نحو ريازان وتامبوف وحتى موسكو، استقرار السلطة العليا في روسيا. ولا يخفى على أحد أن مشاريع السياسة الخارجية للكرملين في أفريقيا، والتي اعتمدت في السابق فقط على العلاقات غير الرسمية لمجموعة فاغنر مع القادة المحليين، اندثرت فعليا. ولم تكن مصادفة أن يقارن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب خاص إلى الروس، بين ثورة المرتزقة الحالية وأحداث 1917، أي ثورة أكتوبر/تشرين الأول في روسيا.
التسلسل الزمني لـ "مسيرة العدالة"
في مساء يوم 23 يونيو/حزيران، اتهم بريغوجين وزير الدفاع سيرجي شويجو ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف بالقيام بمحاولة جديدة لتدمير شركة فاغنر العسكرية الخاصة. ووفقا له، فإن وزارة الدفاع قامت بمحاولتها الأولى لتدمير المجموعة في عام 2018 في سوريا من خلال عدم توفير الغطاء اللازم لها وتركها تحت نيران المدفعية والطيران الأمريكيين، إلا أن شويجو وغيراسيموف أعطيا هذه المرة أوامر مباشرة لمدفعيتهما وطيرانهما ليقصفا مواقع المرتزقة في المعسكرات الخلفية. وقال بريغوجين إن على مقاتلي فاجنر أن يوقفوا "شر القيادة العسكرية للبلاد."
لم يبد الموقف خطيرا للغاية في بداية الأمر، بل بدا وكأنه مسرحية لجذب انتباه بوتين، خاصة بعد أن اعتاد المجتمع الروسي في الأشهر الأخيرة على انتقاد بريغوجين المستمر للقيادة العسكرية للبلاد، وتحولت بعض تصريحاته إلى تعليقات ساخرة على الإنترنت. وبالمناسبة، نشر الجهاز الإعلامي التابع لبريغوجين بعد ظهر يوم 23 يونيو/حزيران، مقابلة أخرى مع رئيسه، انتقد فيها أيضا شويجو وغيراسيموف، متهما الأول ببدء حرب في محاولة للحصول على رتبة مشير، والأخير بإدمان الكحول وعدم القدرة على التخطيط للعمليات العسكرية، كما اتهمها بتزوير تقارير لبوتين. من حيث المبدأ، كرر بريغوجين هذه الأطروحات من قبل، وبصورة أكثر عاطفية، لكنها بدت هذه المرة أكثر هدوءا وإقناعا.
ومع ذلك، لا يزال بعض الخبراء يشككون في جدية ما يحدث، حتى بعد أن فتح مكتب الأمن الفيدرالي قضية جنائية بموجب المادة الخاصة بالتمرد المسلح بعد ساعات قليلة من تهديدات بريغوجين ببدء مسيرة العدالة.
ومازال بعضهم مصرّا على أن كل ذلك كان عملية معلوماتية خاصة، في محاولة لتخدير يقظة القوات الأوكرانية التي تحاول مواصلة هجومها المضاد من أجل إعادة الاشتباك مع شركة فاغنر العسكرية الخاصة في القتال في أوكرانيا، والتي أعادت تجميع صفوفها بعد معارك باخموت.